استأنف النائب العام الاستئنافي في بيروت القاضي زياد أبو حيدر بتاريخ 10/10/2018 أمام محكمة الاستئناف قرار نقابة المحامين في بيروت والقاضي بحجب الإذن بالملاحقة عن المحامين محمد رحيمي ورامي عليق وجورج كيروز من تحالف متحدون-الحراك المدني، على خلفيّة الشكوى التي كان قد تقدم بها وزير الدولة لشؤون مكافحة الفساد نقولا تويني بجرم الافتراء ضد المحامين المذكورين وذلك بعد أن كان تحالف متحدون قد تقدم بدعوى قضائية ضد وزير مكافحة الفساد نقولا التويني بتاريخ 23/4/2018 أمام النيابة العامة المالية، بجرم هدر وتبديد أموال عامة وصرف النفوذ وإساءة استعمال السلطة والإخلال بالواجبات الوظيفية.
استندت الدعوى القضائية التي تقدم بها "متحدون" الى استحصال الوزارة على ميزانية مالية منذ انشائها عام 2017 لتمكينها من محاربة الفساد المتفشي في الدوائر الرسمية والمؤسسات العامة بجميع صوره، ولكن في الواقع وكما تبين جلياً أن هذه الوزارة هي شبه وهمية وان المدعى عليه، أي الوزير التويني، لم يقم حتى اليوم بأي إجراء فعلي لمكافحة الفساد وإحقاق الحق ومحاسبة المرتكبين وإحالتهم أمام المراجع القضائية المختصة وإعادة الأموال المنهوبة المسلوبة، وكذلك لم يتم الكشف الفعلي المؤدي الى المحاسبة الفعلية عن أي ملف من ملفات الفساد منذ تولي الوزير لهذه الحقيبة .وكان النائب العام المالي قد حفظ الدّعوى كأساس قانوني بتاريخ 25-04-2018 بسبب الحصانة التي يتمتّع بها الوزير تويني.
في المقابل قام الوزير بدوره بالادّعاء على المحامين لدى النيابة العامة الاستئنافية في بيروت فجاء قرار النقابة بحجب الاذن بملاحقة المحامين المعنيين باعتبار الفعل المنسوب اليهم بمعرض ممارسة المهنة (وأيّ شيء أنبل من اعتبار المحاماة كرسالة لإعلاء كلمة الحقّ والعدالة ومحاربة الفساد الذي يحول دون ذلك!)
قبل أن يقوم التّحالف بالتّقدم بدعوى ضدّ الوزير تويني، حاول مراراً وتكراراً التّعاون مع وزارة مكافحة الفساد من خلال لقاءات مع المحامي الأستاذ وديع عقل، مستشار الوزير، في ما يخصّ قضايا عدّة كملفّ الضّمان الاجتماعي، قضيّة كازينو لبنان، ملفّ البلديات ومؤخراً في قضّية مطمر الكوستابرافا، فقد قام عدد من المحامين في تحالف متحدون بزيارة الوزارة قبل التّقدم بالشكويين لدى النّيابة العامة البيئية في جبل لبنان والنّيابة العامة المالية ليجدوا أبواب الوزارة مقفلة.
في ظلّ الحصانات الّتي تمنع المحاسبة عن المسؤولين الكبار من وزراء وغيرهم، لا بل تشجّعهم على التّمادي في الاستيلاء على المال العام من دون وجه حق وفي ظلّ عدم تفعيل المجلس الأعلى لمحاكمة الرؤساء والوزراء المنصوص عليه في المادة 80 من الدّستور، يبقى الفساد متفشياً حتى في وزارة أنشأت في الأساس لمكافحة الفساد. ومن المضحك المبكي كيف تبقى دولة العدوّ الاسرائيلي سبّاقة في ما يتعلّق بموضوع مكافحة الفساد من دون الأخذ بأي حصانة لأحد من رؤسائها أو وزرائها، فكم كان من الأجدى أن نشهد على غيض من فيض ذلك في بلدنا.
وكان وقّع أمس محامون في تحالف متحدون وبمناسبة يوم المحامي العالمي على وثيقة مكافحة الفساد التي ذكرت أنّه ووفقاً لتقارير منظمة الشفافية الدولية، لوحظ تحول لبنان بعد اليوم العالمي لمكافحة الفساد من دولة مكافحة لمرض الفساد (80 عالمياً) الى دولة معتلة بالفساد في العام 2010 (102 عالمياً) قبل أن يتحول الى دولة موبوءة في العام 2017 (143 عالميا) من أصل 180 دولة.
كما يطالعنا النّائب العام الاستئنافي في بيروت بقراره هذا بعيد صدور قانون يحمي المبلّغين عن الفساد، وكأنّه يراد للنيابات العامة على وجه التّحديد أن توجه ضربة لهذا القانون الذي تريده حبراً على ورق، وكأنها أيضاً عازمة على تماديها في حماية سرقات واختلاسات وتجاوزات المسؤولين الكبار وصدّ أي محاولة لمحاسبتهم في الوقت الذي تجتهد فيه لهدر حقوق المواطنين ومحاسبة الضّعفاء منهم، والسّؤال الذي يطرح نفسه مراراً وتكراراً: هل يعقل أن يكون القضاء سدّاً منيعاً بوجه من يحارب الفساد؟
من هنا يؤكد التحالف أن أي محاولة لإصلاح القضاء يجب أن تبدأ من النّيابات العامّة تحديداً التي باتت، للأسف، المدخل لتحويل القضاء الى ألعوبة بأيدي السّياسيين النافذين، الأمر الذي يجب أن يتوقف في الحال إن كنّا نريد لأي محاولة إصلاح أن تنجح. ويعتبر التحالف أن القرار المستهجن للنائب العام الاستئنافي في بيروت ما هو إلّا وسام رفيع آخر يضاف الى سجلّه، ويعاهد سائر المواطنين على الثّبات في مسيرته بمكافحة الفساد كما ويضع الموضوع برسم الجهات المتابعة لمؤتمر سيدر كي ترى كيف تتمّ محاربة الفساد في لبنان.