فجأة عادت الحياة إلى شرايين الحكومة بعد أسابيع من الجمود القاتل بحجة العُقد الوزارية على المستويات المسيحية، الدرزية والسنّية. بدا تفاؤلُ رئيس الحكومة سعد الحريري في محلّه بعدما راهن بصدقيّته أمام الرأي العام حين قال في إطلالاته التلفزيونية الأخيرة «بالحرف الواحد» إنّ الحكومة ستولد خلال عشرة أيام!
حينها كانت كواليس المطبخ الحكومي خاليةً من أيّ مكوّنات جديدة من شأنها أن تبشّرَ باقتراب ولادة الحكومة. وإذ بالساعات الأخيرة تشي بحراكٍ جديّ يتمتع بمقوّمات العلاج للعُقد المستعصية.
ويقول بعض المطلعين على الطبخة الحكومية إنّ تفاؤلَ الحريري لم يأتِ من عبث. ثمّة معطيات استجدّت على الأجندة الإقليمية من شأنها أن تكسر جدارَ المراوحة الذي كان يُبقي الحكومة في عنق الخلافات. ويضيفون «أنّ هذه التطورات تبدأ باتفاق إدلب ولا تنتهي بالدفعة الثانية من العقوبات الأميركية المنتظرة ضدّ إيران، لتمرّ بطبيعة الحال بالانفراج الحكومي على الساحة العراقية.
إذ بيّنت التطورات أنّ اتفاق إدلب يملك ما يكفي من مقوّمات الصمود والثبات لتجلعه بمثابة خريطة طريق تحظى بغطاء القوى المعنية ومنها النظام السوري، ما ينفي فرضيّة الخلاف بين اللاعبين الكبار، وتحديداً روسيا وإيران، حول وضعية إدلب ومستقبلها.
وفي المقابل فإنّ الدفعة الثانية من العقوبات الأميركية المنتظرة ضدّ إيران، يبدو أنها لم تأتِ إلى الآن بثمارها بدليل الليونة التي تتعاطى بها الإدارة الأميركية مع هذا الملف.
ويؤكد المطّلعون أنّ رادارات رئيس الحزب التقدمي الاشتراكي وليد جنبلاط هي أوّل مَن التقط إشارات الانفراج المحمولة في بريد التطورات الإقليمية السريع، فسارع إلى مدّ يدّ التعاون من خلال فتح الباب أمام صياغاتٍ تسووية... وينتظر أن تكرّ سبحةُ المعالجات الواحدة تلوَ الأخرى.
وفي هذا السياق يبدو أنّ نوابَ سنّة الثامن من آذار سيدفعون ثمن التسوية السياسية لكي يكون الحريري مرتاحاً في وضعيّته الحكومية وذلك نتيجة «قبّة باط» يقوم بها «حزب الله» تجاه الحريري.
خطوةٌ تكتية يريد من خلالها «الحزب» تنفيسَ الجوّ الشيعي- السنّي وتسهيل مهمة الحريري قدر الامكان، خصوصاً وأنّ الرجل لم يخطئ في تعاطيه مع الحزب منذ تسميته رئيساً للحكومة في عهد ميشال عون، كما يقول المعنيون.
وتقول إحدى شخصيات هذا المحور «إنّ ما أعلنه «نجل الشهيد» أمام المحكمة الدولية، للمرة الثانية على التوالي، خطوة لا تُستهان في سياق المساهمة في الاستقرار الداخلي، الأمر الذي يساعد محور قوى 8 آذار وخياره السياسي، مع العلم أنّه لو أنّ أيّاً من شخصيات هذا الفريق السنّية تجرّأت وأدلت بما هو أقل من هذه المواقف، لكنتُ تعرّضت للصلب والسلخ!».
ولكن هذا لا يعني أنّ سنّة 8 آذار مرتاحون الى هذه التسوية التي جعلت منهم «كبش محرقة»، كما تؤكد الشخصية ذاتها. ثمّة خيبة أمل لدى جمهورهم وشعور بالتخلّي من جانب الحلفاء. ثمّة شريحة كبيرة من سنّة لبنان قاطعت الانتخابات النيابية وفضّلت عدمَ المشاركة، فيما يتمّ اليوم إهمالّ رأي شريحة مهمة أيضاً، فأين هي مصلحة «حزب الله» في إدارة ظهره لكل هذه المجموعات؟
ومع ذلك ترفض هذه الشخصية تحميلَ «حزب الله» المسؤولية الأساسية في هذا الإبعاد، مشيرةً إلى رئيس الحكومة المكلّف «هو الذي وعد بتكريس وحدة معايير التمثيل، وهو الذي وعد بتشكيل حكومة وطنية، ولم يلتزم... فيما الباقون مسؤولون عن «المصادقة» على قرارات رئيس الحكومة».
وتشير الشخصية نفسها إلى «أنّ حزب الله خاض معركة قانون الانتخابات لمساعدة حلفائه السنّة ليتمثّلوا بنحو سليم في البرلمان وذلك تكريساً لمصلحته الاستراتيجية التي تقضي بتوسيع أطر بيئته الحاضنة من الطائفة السنّية، فيما يصار اليوم إلى التخلّي عنهم والتعامل معهم بنحو سلبي، ما قد يدفع بعضهم إلى خيار المعارضة».