مَنْ يلعب دور «الزئبق» في البارومتر لتوفير المعلومات حول النشرة السياسية، في لبنان، لا سيما في ما خص حظوظ تشكيل الحكومة أو عدمها، وتوزّع المعنيين الكبار بين متفائل بحذر، ومتشائم بلا حذر، ومنتظر ان «يصير الفول بالمكيول»، كما هو حال الرئيس نبيه برّي، الذي تحوّل صالونه السياسي في مقر اقامته في عين التينة إلى منتدى الشكاوى والمعالجة لما يعرف بعقدتي تمثيل «القوات اللبنانية» وتسمية الدرزي الثالث في حكومة ثلاثينية!
رسمياً، تبلغت القوات اللبنانية عرضاً يقضي بإعطائها نائب رئيس مجلس الوزراء، فضلاً عن حقيبتين (الشؤون الاجتماعية والتربية) فضلاً عن وزارة دولة، فيما تضمنت تغريدة النائب السابق وليد جنبلاط، اعتراضاً ان يودع النائب طلال أرسلان خمسة أسماء لدى الرئيس ميشال عون، ليختار منها واحداً. وما يرغب به رئيس الحزب التقدمي الاشتراكي ان يجري اختيار الدرزي الثالث بالتشاور بين الرؤساء الثلاثة ومعه.
«ما تقول فول»
وإذا كان الحذر الذي ابداه الرئيس نبيه برّي في لقاء الأربعاء النيابي بقوله بالنسبة لتأليف الحكومة: «ما تقول فول تيصير بالمكيول»، قد أزاح أو شكك بمشهد التفاؤل الذي ساد الساحة السياسية، بفعل الجرعات التي ضخها الرئيس المكلف الخميس الماضي ثم عاد وأكّد عليها أمس الأوّل، فإن ما قاله الرئيس برّي، وهو المعني بالاتصالات ومساعي تدوير الزوايا، يؤكد ان الصورة ما تزال ضبابية وغير واضحة، الأمر الذي دفعه الى عدم الجزم بوجود حلحلة حكومية، استناداً إلى المعطيات التي كان قد تبلغها من الرئيسين ميشال عون وسعد الحريري، لكن الظاهر ان تطورات طرأت منذ الليلة الماضية، جعلته يقول ما قاله، لكي يكون دقيقاً في اختيار عباراته، بحسب عضو كتلة التنمية والتحرير النائب علي بزي.
ومع ذلك، فقد أكّد برّي، وفق ما نقله عنه النواب، بأنه «آن الأوان لكي يتحمل الجميع مسؤولياتهم من أجل حسم موضوع الحكومة»، داعياً إلى «تواضع كل الاطراف في التعامل مع عملية التشكيل».
وجدد القول ان «الوضع الإقتصادي دقيق للغاية، وهذا يفترض منا ان نتعاون جميعا لمواجهة هذا الاستحقاق الذي يؤثر على الوضع العام في البلاد».
وأشار الى ان «تردي الوضع الإجتماعي والخدماتي لا بل ايضا الفساد يعود الى عدم تطبيق القوانين كما عبرت مرارا».
واكد ان المجلس «سيستمر بتحمل مسؤولياته والقيام بدوره، وسيكون هناك جلسة تشريعية قبل نهاية هذا الشهر».
وفي تقدير مصادر نيابية، ان التطورات السلبية التي طرأت على المشهد الحكومي، ربما تكون متصلة «بالمناوشات» التي حصلت حول الحصة الدرزية بين الحزب التقدمي الاشتراكي والحزب الديمقراطي اللبناني بعد التغريدات المتبادلة بين زعيمي الحزبين وليد جنبلاط والنائب طلال أرسلان، والتي ربما اطاحت بالحلحلة التي تحدث عنها الطرفان قبل يومين، إلى جانب تصلب «القوات اللبنانية» بالنسبة للحقائب الخدماتية التي تريدها، وبينها حقيبة العدلية، في مقابل تشبث «التيار الوطني الحر» بأن تكون حصته 11 وزيراً، بما يخالف الصيغة الحكومية التي اعدها الرئيس الحريري بأن تكون الحكومة من ثلاثة أثلاث، أي ان لا يكون فيها ثلث معطّل لأي طرف، فضلاً عن معلومات بسحب عرض الرئيس عون بالتنازل عن منصب «نائب رئيس الحكومة لمصلحة القوات».
ومع ذلك، تؤكد المصادر ان عملية تشكيل الحكومة انتقلت من مرحلة تسهيل الأطراف السياسية لمهمة الرئيس المكلف إلى تفعيل الاتصالات حول توزيع الحقائب بعد التوافق على الحصص بشكل نهائي، ولو استمرت بشكل محدود المناوشات الجنبلاطية - الارسلانية، و«القواتية» مع التيار البرتقالي.
وأكّدت مصادر نيابية متابعة للاتصالات لـ«اللواء» ان ثمة امورا كثيرة تم التفاهم عليها، منها منصب نائب رئيس الحكومة ل «القوات اللبنانية» بلاحقيبة وبقي البحث جار عن توافق حول الحقائب التي ستُسند «للقوات»، وكذلك حول الحقائب التي ستسند الى الحزب التقدمي واللقاء الديموقراطي، فيما اكدت المعلومات ما هو مؤكد وعلى لسان الرئيس بري امس امام نواب لقاء الاربعاء، «بأن حقيبة الصحة حُسمت لـ»حزب الله» «خلال جلسة لثلاث دقائق بينه وبين الحريري»، وهو ما أكده أيضاً وزير «حزب الله» في حكومة تصريف الأعمال محمد فنيش لقناة «المنار»، من ان الحزب سيشغل وزارة الصحة كوزارة خدماتية أساسية، بينما ترددت معلومات عن رغبة «القوات» الاحتفاظ بالصحة، لكن بقي الخلاف قائماً حول بعض الحقائب الخدماتية الأخرى كالاشغال التي يتنازع عليها الحزب التقدمي و«التيار الوطني الحر»، وحول حقيبة التربية التي لم تتشجع لها «القوات» ولا يزال يريدها التقدمي. كما ان المعلومات افادت عن عدم حماسة «القوات» لحقيبة الثقافة، وقبولها ببقاء حقيبة الشؤون الاجتماعية لها.
وذكرت معلومات اخرى، ان حقيبة الأشغال قد تؤول الى «حزب الله»، مقابل حصول تيار «المردة» على حقيبة الصحة، وان التيار الحر لا يمانع بذلك حتى لا يضطر الى الاستغناء عن حقيبة الاتصالات او الطاقة التي يطالب بها «المردة» كبديل عن الاشغال اذا ذهبت الى حصة التيار..
وفي كل الاحوال، فإن المعلومات والمؤشرات تدل على ان تشكيل الحكومة بات قريبا وقبل نهاية هذا الشهر، لأكثر من سبب داخلي وخارجي ضاغط، اهمها ما ذكرته مصادرنيابية مطلعة بأن الرئيس الحريري بات مستعجلاعلى التشكيل قبل فرض العقوبات الجديدة على ايران وبالتالي على «حزب الله» في الثالث من الشهر المقبل، وهو امر يعرقل التشكيل اكثر، كما ان الرئيس ميشال عون بات مستعجلا على تشكيل الحكومة للسبب ذاته ولأسباب اخرى تتعلق بنيّته تحقيق انطلاقة جديدة للعهد.
وذكرت مصادر قيادية في «القوات اللبنانية» ل «اللواء»: ان المفاوضات استؤنفت على قدم وساق منذ ليل امس الاول، ونحن على تواصل دائم مع الرئيس المكلف، لكننا نتحفظ على الاعلان عن تفاصيل هذه المفاوضات، ولن نعلق على اي كلام يتعلق بالحقائب التي نريدها او ما هي طبيعة المفاوضات، اوحول مكمن العقد.
وعما اذا كانت المفاوضات معقدة ام سهلة وهل ستطول؟ قالت المصادر: كل ما نقوله ان المفاوضات قائمة ومستمرة وهي طبيعية وليست معقدة، بانتظار ان نرى كيف ستتطور فصولها. وهناك دينامية جديدة وفعالة في المفاوضات نأمل ان تترجم بالشكل المطلوب، والعمل يجري بظل حيوية سياسية نرجو ان تتفعل.
مصادر التيار
اما مصادر تكتل «لبنان القوي»، فقد أكدت من جهتها لـ«اللواء» بأن الوضع الحكومي متجه نحو التفاؤل، رغم اعتبارها بأنه لا يزال حذراً، وأملت انه مع عودة الرئيس عون من يريفان التي وصلها أمس، تكون العقد قد حلت لكي يتم تشكيل الحكومة.
وشددت هذه المصادر بأن التنازلات التي يتحدثون عنها، يجب ان تأتي من غير التيار، وخصوصاً من قبل «من ينفخ نفسه أكثر من حجمه»، في إشارة إلى «القوات»، لكنها تؤكد في الوقت عينه بأن للتيار بعض «الثوابت الوزارية» ومنها وزارات الخارجية والعدل والدفاع ونيابة رئاسة الحكومة للتيار وللرئيس عون، نافية أن يكون أحد قد تحدث مع التكتل بحسم هذا الموقع إلى «القوات اللبنانية».
وفي اعتقاد المصادر نفسها، ان الحزب الاشتراكي يخطو خطوات باتجاه تقديم تنازلات في موضوع التمثيل الدرزي، ويبقى ان تقوم «القوات» بالخطوات المطلوبة منها، خصوصاً وانها ترفع من مطالبها حيناً وتتخلى عن بعض هذه المطالب حيناً آخر، ولكن في النتيجة نحن ننتظر ما سيقدمه الرئيس المكلف الذي سيحسم هذا الملف.
وتختم بقولها بأن «المعطيات الموجودة لديها تقول بأن هناك تفاؤلاً، ومن غير الضروري الالتزام بفترة الأيام العشرة التي تحدث عنها الرئيس المكلف، لكن بالتأكيد انه قبل نهاية الشهر سيكون لدى لبنان حكومة جديدة».
سجال جنبلاط - أرسلان
إلى ذلك، خلفت حدة السجال التي ارتفعت وتيرته أمس، بين جنبلاط وارسلان قبل ان يتطور الى الحزبين اللدودين، انطباعاً لدى المعنيين بأن العقدة الدرزية ما تزال على حالها، على عكس الكلام الذي قيل في اليومين الماضيين عن ظهور بوادر حلحلة.
وبدأ هذا السجال، انطلاقاً من تغريدة أرسلان بالموافقة على ترشح خمسة أسماء للمقعد الدرزي الثالث لكي يختار أحدهم الرئيس عون بالتعاون مع الرئيس برّي، إذ علق جنبلاط محذراً من ان يفسّر البعض دعوته إلى التسوية بأنها «تنازل عن الثوابت».
واضاف في تغريدة على تويتر: «على هذا لن نقبل بأحصنة طروادة جديدة في الوزارة المقبلة. يكفي الموجود والمتحكم على حساب الكفاءة والانتاجية والاصلاح. ان هذا التوضيح ضروري لاسكات اصوات النشاز ونعيق البوم».
وبعد دقائق حذف جنبلاط التغريدة واستبدلها بأخرى اقل حدة، بعدما شطب منها عبارة «أسكات أصوات النشاز ونعيق البوم».
وكتب طلال ارسلان عبر حسابه على «تويتر» قائلا، ردا على تغريدة جنبلاط: «نؤيد الدعوة الى تسوية من دون التنازل عن الثوابت وعدم القبول بأحصنة طروادة تعطي العهد وما يمثل من طرف اللسان حلاوة وتروغ منه كما يروغ الثعلب».
ورد مصدر مسؤول في «التقدمي» على ارسلان بالقول: نذكره بضرورة تسليم أمين السوقي!(المتهم بجريمة قتل عنصر الدفاع المدني في الشويفات).
ثم ردّ مصدر قيادي في الحزب الديمقراطي اللبناني، داعياًَ جنبلاط إلى اقفال الزنزانة رقم 3 في المختارة، متسائلاً: «كم من خاشقجي زارها».
وترددت معلومات ان أحد الشخصيات الثلاثة: مروان خير الدين، عباس الحلبي، وزياد أنور الخليل، سيكون الدرزي الثالث.
سلفة الفيول
حياتياً، سلكت سلفة تمويل الفيول طريقها السياسي والقانوني بين التيار وعين التينة، من خلال الاجتماع الذي جمع الرئيس برّي مع وزير الطاقة سيزار أبي خليل والمدير العام لرئاسة الجمهورية انطوان شقير في حضور وزير المال علي حسن خليل.
وشرح أبي خليل لبري في هذا الاجتماع ما يعترض قطاع الكهرباء من معوقات في ظل ارتفاع سعر البترول عالمياً، وجرى الاتفاق على عدّة خطوات ستتم متابعتها في مجلس النواب مع الوزير خليل الذي أكّد ان فتح اي اعتماد يحتاج إلى قانون، وان سلفة الخزينة تأخذ مجراها وفق الأصول في البرلمان، علماً أن أبي خليل أعلن ان مرسوم السلفة سيصدر بعد ان وقعه الرئيسان عون والحريري، لكنه يحتاج إلى متابعة في مجلس النواب.
التضامن مع «سيدة الجبل»
وسط هذه التطورات، تحول اللقاء التضامني الحاشد الذي استضافه «بيت الكتائب» المركزي في الصيفي مع «لقاء سيّدة الجبل» إلى تظاهرة وطنية، رفضاً للقمع وتمسكاً بالحريات العامة، أكّد خلاله النائب السابق فارس سعيد، ان الخلوة المقبلة للقاء ستعقد الأحد المقبل في فندق روتانا، بعد ان اعتذر فندق «البريستول» عن استضافته في الأسبوع الماضي، بناءً لضغوط وتدخلات من جهات باتت معروفة، وسبق ان أعلنت عن نفسها، وأكد سعيد في بيان تلاه باسم المجتمعين انه في معركة الحريات لبنان لا يخسر. في حين أعلن رئيس تحرير «اللواء» الزميل صلاح سلام الذي مثل الرئيس ميشال سليمان في اللقاء التضامني مع وفد من «لقاء الجمهورية» ان الخطر لا يُهدّد الحرية فقط بل الوطن بأكمله، معتبراً ان «لبنان بلا حرية يصبح أشبه بجمهورية الموز».
وأشار سعيد في البيان الختامي الذي تلاه بأن «لقاء سيّدة الجبل» تأسس في أيلول من عام 2000 بالتزامن مع نداء المطارنة الموارنة برئاسة الكاردينال نصر الله صفير، الذي أطلق معركة الحريات في وجه الوصاية السورية، ثم عمل جنباً إلى جنب مع لقاء قرنة شهوان، لافتاً انه لقاء سلمي قانوني ديمقراطي تمويله شفاف وهو نخبوي التوجه والحركة، وغير باحث عن «نياشين» من أحد، مشدداً على ان يتحمل شباب وشابات لبنان مسؤولياتهم في الدفاع عن حرية لبنان واستقلاله من خلال رفع الوصاية الإيرانية عن القرار الوطني دفاعاً عن الدستور وحفاظاً على العيش المشترك