أدخلت المعايير التي استندت اليها القوى السياسية في عملية تشكيل الحكومة في تعقيدات اضافية، لأنها بنيت على اساس نتائج الانتخابات النيابية الاخيرة في 6 ايار الماضي، التي اعتُبِرت مشوهة بكل المعايير السياسية والاجرائية، وانتجت مجلساً نيابياً غير متجانس بالكامل، خاصة ان كل ما ستقوم به السلطتان التشريعة والتنفيذية من قوانين ومراسيم وخطوات اجرائية جوهرية واساسية لتطوير النظام والحياة السياسية والعملية الاجرائية والادارية والاقتصادية سيكون خاضعا لعملية توافق صعبة ودقيقة، طالما ان كل طرف يعتمد على نتائج الانتخابات في إظهار قوته وتأثيره في الشارع الذي ينتمي اليه او الطائفة والمنطقة التي يقول انه يمثلها.
لذلك اصبح من الصعب ان يتم تشكيل الحكومة وفق هذه المعايير التي تختلف بين طرف سياسي وآخر، تبعاً لاختلاف النظرة وتبعاً للتوجه الذي يمثله كل طرف بارتباطاته المحلية والخارجية،وتبعا للمصلحة الحزبية والطائفية والمناطقية الضيقة التي يتوخاها هذا الفريق السياسي او ذاك. عدا عن ان هذا الاختلاف في التقدير والتقييم لحجم وقوة وتمثيل كل طرف سينعكس حكماً على جلسات التشريع فتطير مشاريع واقتراحات قوانين وتحط اخرى تبعا لتوافق المصلحة الذي يجمع عددا من الكتل، والامر ذاته سينعكس على الحكومة بعد تشكيلها، ما يحتم اعادة النظر بكل العملية الانتخابية مستقبلا لجهة القانون والاجراءات الادارية، تبعا لنظرية «قل لي اي قانون انتخابي تعتمد أقل لك اي دولة تسعى لتأسيسها»..
وطالما ان القوى السياسية تدعي انها تريد القانون الانتخابي المثالي ولكنها عمليا تفصل قانوناً على مقاسات اطرافها «بالزايد قليلا او بالناقص قليلا»، فإن مشكلات تسمية رؤساء الحكومات وتشكيل الحكومات وضبط مسارات العمل التشريعي والاجرائي ستبقى قائمة على النحو الذي نشهده الان، لذلك بدأت بعض القوى السياسية المتضررة من نتائج الانتخابات وتلك المعترضة اصلا على القانون المعتمد البحث جدياً في قانون انتخابي جديد يكون بالنسبة للبعض قانوناً تأسيسياً للدولة الحديثة ويصحح الخلل و التوازنات ويلغي معوقات بناء الدولة، مع ان قوى اخرى تعتبر نفسهاخرجت منتصرة في الانتخابات ستعترض على اي تعديل للقانون الحالي برغم انه في الانتخابات المقبلة قد يعطيها نتائج سئية تبعا لإداء النواب والكتل النيابية السيء حتى الان في معالجة حاجات ومتطلبات المواطنين ويزيد اعباءهم الحياتية.
ولعل اول المطالبين بقانون جديد تأسيسي هم النواب المستقلون من كل الطوائف والمذاهب، وبعض الاحزاب العلمانية كالشيوعي والقومي والناصريين، الذين يفيدهم قانون انتخابي نسبي بالكامل بلا صوت تفضيلي على مستوى لبنان دائرة واحدة او على مستوى الدوائر الكبرى، لا سيما وأن الاحصاءات التي أعدها احد مراكز الدراسات والاحصاءات المتخصص والمشهود له يفيد عن تناقص كبير في اعداد الناخبين لا سيما المسيحيين منهم، ما يحتم اللجوء الى قانون انتخابي خارج القيد الطائفي وتشكيل مجلس الشيوخ، كما نص اتفاق الطائف وجرى تجاوز هذا البند من العام 1992، عدا عن تجاوز بنود تشكيل الهيئة الوطنية لإلغاء الطائفية السياسية وتحقيق اللامركزية الادارية واستقلالية القضاء وهيئات الرقابة والمحاسبة، كما يقول اكثر من نائب ممن شاركوا في وضع اتفاق الطائف.
بانتظار تحقيق ما يلزم لإصلاح آلة النظام والحكم في لبنان، سيبقى البلد يتخبط في ازمات شبيهة بأزمات تشكيل الحكومات والاتفاق بنود على جدول الاعمال وإقرار بنوده، نتيجة المعايير التي وضعت لأحجام القوى السياسية التي باتت تمتلك كل واحدة منها «فيتو» تعطيليا.