منذ سنوات نعيش تغييراً مناخياً ملحوظاً. في أوروبا كان الصيف الماضي والذي سبقه أكثر حرارة عما قبل. كما شهدنا زيادة في الفيضانات والأعاصير والجفاف والحر وذوبان الجليد في القطب الشمالي. لا شك في أن التغيير المناخي أمر يؤثر في حياة الإنسان أينما كان. وقد دق ناقوس الخطر التقرير الدولي الأخير للهيئة الدولية المعنية بتغير المناخ قائلاً إن الحد من ارتفاع درجة حرارة العالم يجب ألا يتخطى ١.٥ درجة مئوية. وحذر العالم من عواقب الارتفاع الحراري وطالب باتخاذ إجراءات صارمة كي لا يتخطى الاحترار الـ١.٥ درجة مئوية. ويوصي التقرير بإدخال تحولات سريعة وطويلة المدى في قطاعات الطاقة والصناعة والمباني والنقل والمدن. وخفض صافي انبعاثات ثاني أكسيد الكربون في العالم بنسبة ٤٥ في المئة.
شارك في كتابة التقرير ٩١ عالماً من ٤٠ دولة معتمدين على أكثر من ٦٠٠٠ مرجع علمي إضافة إلى مساهمات عديدة من خبراء. وهذا يتطلب حلولاً بعيدة عن الطاقة الأحفورية أي النفط ما يمثل تحدياً للدول المنتجة للنفط الكبيرة والصغيرة . ولكن دولاً نفطية عديدة وقعت اتفاقية باريس للتغيير المناخي منها السعودية والإمارات، وهي قيد تطوير الطاقة البديلة للمستقبل من طاقة شمسية وهوائية. فمثلاً السعودية وهي أكبر منتج نفط في «أوبك» بدأت برامج تطوير الطاقة الشمسية والهوائية. وكذلك الأمر الإمارات التي طورت إنتاج الكهرباء بالطاقة الشمسية بشكل فعال. في أوروبا الدولة الرائدة في تطوير الطاقات المستجدة هي البرتغال وهو بلد ليس غنياً ولكنه رائد في إنتاج ٥٠ في المئة من كهربائه من الطاقة الشمسية والهوائية، ويهدف إلى التوصل إلى مئة في المئة في ٢٠٣٠. إلا أن كلفة الكهرباء والمياه في البرتغال تزيد ١٤ في المئة على ما هي في فرنسا مثلاً. وهذا ينبغي أن يتغير إذا كانت البرتغال تتطلع إلى الاعتماد مئة في المئة على الطاقة المتجددة لإنتاج كهربائها. ويطرح التقرير حلولاً صعبة التطبيق من أجل الحد من الاحترار على رغم أنه يؤكد أن معدل الحرارة ارتفع درجة مئوية في ٢٠١٧ وأن هدف البقاء على ١.٥ ليس مستحيلاً ولكنه يتطلب تحويلات عير مسبوقة في جميع القطاعات ليس فقط في الطاقة. إلا أن دولاً عدة لا تلتزم بضرورة الحد من انبعاثات أوكسيد الكاربون إلى ٤٥ في المئة في ٢٠٣٠. فالصين والولايات المتحدة والهند وأوروبا هي الدول التي لديها أكبر رقم من انبعاثات أوكسيد الكاربون. وسياسة ترامب الذي خرج من اتفاق التغيير المناخي الذي وقع في باريس في ٢٠١٦ غير مشجعة للتقدم نحو هدف التقرير.
وهناك توصيات كلاسيكية في التقرير من أجل عدم تخطي مستوى الحرارة، منها المزيد من زرع الأشجار وتحسين إدارة الأراضي الزراعية. ويعطي أيضاً الخبراء أمثلة عما يجب القيام به كإغلاق معامل فحم في العالم. إنها توصيات لا الصين ولا أميركا ترامب تنتهجها. صحيح أن قيمة هذا التقرير بالغة الأهمية لحياة البشر على المدى الطويل ولكن تطبيق السياسات المطلوبة لتحقيق أهدافه غير سهل لدول عديدة وهو أيضاً غير مرغوب فيه حالياً من قيادات من نمط ترامب، علماً أنه ليس أبدياً على رأس الإدارة الأميركية، وإن بعض الولايات في أميركا حريصة على تطبيق القواعد البيئية التي تعتبرها أساسية لصحة المواطن الأميركي. فالتغيير المناخي يحمل في طياته مخاطر كبرى في جميع القارات ويتطلب وضع سياسات عاجلة واتباعها قبل فوات الأوان لأن صحة الناس وحياتهم على المحك في هذه القضية التي ينبغي أن ينظر إليها بجدية .