إفتتحت صباح اليوم، ورشة عمل بعنوان "التحول الالكتروني والذكي في المدن العربية، الواقع واستشراف المستقبل"، نظمتها بلدية جونيه والمنتدى العربي للمدن، في المركز الاجتماعي لمينرفا وأسكندر النجار في جونيه، برعاية رئيس الحكومة المكلف سعد الحريري ممثلا بالنائبة ديما جمالي، وفي حضور النائب شامل روكز، رئيس اتحاد بلديات كسروان بلدية جونيه جوان حبيش، المديرة العامة للمنتدى العربي للمدن الذكية المهندسة جمانة عطيات، ورؤساء بلديات المنطقة ومخاتيرها، الى ممثلين عن القطاعين العام والخاص من الاردن، السعودية، الكويت، فلسطين، تركيا، البحرين، مصر ولبنان.

استهلت الجلسة الافتتاحية بالنشيد الوطني، ثم كلمة ترحيبية للزميل فادي شهوان، بعده كلمة لرئيس بلدية جونيه جوان حبيش سأل فيها "أين نحن في بلداننا ومدننا العربية، في زمن القرية الكونية من هذا التطور الحاصل بسرعات قياسية في المجال الالكتروني والذكي لمواكبة هذا العصر؟"

وقال: "إن يكن الإنسان هو هدفنا في كل ما نفعله ضمن عملنا كبلديات وكسلطات محلية لا بد من الإشارة إلى ما نفعله للتواصل معه وتأمين خدماته ورفاهيته والدفع نحو تطورنا وتطوره منذ اللحظة التي أصبح الهاتف الخليوي الذكي يختصر مكتبا وشركة وإدارة في تطبيقاته ومواصفاته".

وأضاف: "قي واقعنا اليوم نشهد على هذا التحول ضمن إدارتنا منذ تسعينيات القرن الماضي حيث أدخل الحاسوب والبرامج الرقمية والإلكترونية إلى صليب عملنا الإداري لحفظ المعلومات وتحليلها واستردادها بسرعة حيث يلزم. ثم تبين لاحقا أن التواصل مع المواطن أصبح حاجة يومية في الاتجاهين على كل الصعد ومع سبل المواصلات، ولا سيما بواسطة ما سمي أخيرا بسبل التواصل الإجتماعي".

وتابع: "هذا ما فرض أخيرا الحكومة الإلكترونية وما ألزمنا العمل على قاعدة هذا التحول الإلكتروني والذكي نحو تحقيق التطور المستدام ووضع نظم الإدارة العامة على الإنترنت. إن هذا العمل يلزمه مواكبة سياسية منفتحة عصرية وخلق اختصاصات جامعية وتأهيل علمي وفني للموظفين وتعديل ملاكات الموظفين في الإدارات وتعاون علمي مع الجامعات والشركات المتخصصة. وباختصار، أصبح كابل الفيبر أوبتيك هو الطريق الأساسي الذي تترابط الأعمال والمصالح من خلاله في هذا الزمن، وعلينا اعتماده للعبور نحو المستقبل".

وأشار حبيش الى ان "بلدية جونية سلكت هذا الدرب عام 1998 بالتعاون مع الوكالة الأميركية للتنمية الدولية USAID، ولاحقا مع وزارة الداخلية والبلديلت ومع جامعة الباني نيويورك، ومنذ سنة تقريبا وفي دورة البلديات الأخيرة يقوم مجلسنا الحالي بعد تقويم علمي بتأهيل كامل للشبكات والمعدات زالبرامج تشمل كل القطعات الإدارية والمالية والتنموية والبنوية والعلمية والزراعية والصحية لنقارب هذا التطور الإلكتروني والذكي لخدمة المواطن ومواكبة هذه الحضارة".

بدورها تحدثت المهندسة عطيات عن المنتدى العربي، فأعطت لمحة مختصرة عن تأسيسه وأعماله، اضافة الى رسالته ونشاطاته واهدافه، شارحة معنى المدن الذكية، كما تطرقت الى العقبات والتحديات وخطط التغلب عليها والعمل نحو التحول الالكتروني، والى الرئة والاستراتيجيات والسياسات المتبعة في عملية التحول.

ثم ألقت النائبة جمالي كلمة راعي الاحتفال، وقالت: "كل الشكر لدولة الرئيس سعد الحريري الذي كلفني وشرفني بتمثيله لورشة العمل عن "التحول الالكتروني والذكي في المدن العربية - الواقع واستشراف المستقبل".
تعد هذه الورشة من أهم القضايا المطروحة اليوم في عصرنا، لكونها تحظى بأهمية عالمية. كما أن لدي القناعة التامة بأن لها دورا أساسيا في الإصلاح الإداري ومكافحة الفساد، ولن تستعاد ثقة المواطن بالدولة اللبنانية إلا من خلال البدء بالاصلاح الاداري وتحول العمل الحكومي لعمل مبني على الشفافية ليضحي أكثر فعالية".

أضافت: "من خلال التكنولوجيا والمعلومات والإنترنت والتحول الرقمي، لدينا فرصة هامة لتطوير الإدارة وإنشاء حكومات مبنية على الشفافية والمسؤولية في لبنان والعالم العربي قابلة للمحاسبة والمساءلة. التكنولوجيا أضحت اليوم اللاعب الرئيسي في تسهيل حياة المواطن من خلال الخدمات المقدمة. ويبقى التحدي في قدرتنا على إيصال التكنولوجيا لكل الأفراد وفئات المجتمع كافة انطلاقا من شعار الامم المتحدة، وهو ان "لا نترك أحدا خلفنا".

وختمت: "إن العمل على بناء الوطن العربي عليه أن يرتكز على إصلاحات عدة، وذلك لا يتم الا بواسطة التكنولوجيا لكونها عاملا رئيسيا في التطوير ونهضة حياة كل المواطنين في لبنان والبلدان العربية".

واختتمت جلسة الافتتاح بتكريم بلدية جونيه لكل الاعضاء المشاركين في ورشة العمل، كما جرى تبادل في تسليم الدروع للمكرمين.

قدمت وزيرة الدولة لشؤون التنمية الإدارية عناية عز الدين ورقة عمل عن قطاع الخدمات الحكومية في لبنان، وقالت: "يسرني ان اكون هنا اليوم في جونية، احدى اهم مدن الساحل اللبناني، ومدن الساحل اللبناني كما تعلمون انطلق منها الحرف الى كل العالم وانطلقت منها ايضا الاستكشافات والمغامرات البحرية، والتي كانت عنوانا للانفتاح منذ التاريخ القديم، وشكلت ملتقى للحضارات المتعددة.
كما يسرني ان اكون برفقة جمع من المنظمات العريقة في العالم العربي ضمن المنتدى العربي للمدن الذكية، فلكم مني كل التحيات.
الحق يقال، ان لقاءنا اليوم يشكل فرصة مهمة لتبادل الآراء حول الاستدامة المستقبلية والازدهار لأوطاننا ولمدننا في المنطقة. واعتقد ان العناوين المطروحة للنقاش هي من اهم المواضيع التي يجب ان نصرف جهدنا لبحثها ونتبادل فيها الافكار ونتشارك التجارب على طريق الوصول الى الاجوبة الملائمة لأسئلة هامة، وهي: اي لبنان نريد واي مدن نريد؟. اذا لماذا نحن هنا اليوم ولماذا هذا البحث حول المدن الذكية؟
إن التغيير الديموغرافي يشكل تحديا كبيرا في مختلف انحاء العالم الذي يعاني تراجع الموارد وارتفاع متوسط العمر. يترافق هذا مع ازدياد مطرد لأعداد النازحين من الريف الى المدن، بحثا عن فرص العمل والعيش الكريم".

وأضافت: "تقدر الدراسات انه بنهاية 2025 سيصبح اكثر من ثلاثة أرباع سكان العالم مقيمين في المدن. ولعل لبنان واحد من البلدان التي تعتبر مصداقا لهذا الامر. فعدد السكان الحالي لمدينة بيروت هو نحو مليون و916 ألفا، اي ما يعادل ثلث عدد سكان لبنان. مع الاشارة الى ان العدد كان عام 1960 بحدود ال400000، وهذا يعني ارتفاعا في عدد السكان بنسبة 500%".

تابعت: "ما العمل إذا لمواجهة هذه الحقائق والوقائع؟ لا شك ان المطلوب هو رؤية طويلة الامد لمقاربة هذا الموضوع من خلال مسارين، الاول يهدف الى تخفيف الضغط والعبء عن المدن عبر تأمين فرص للناس للعيش والتعلم والعمل والتمتع بحياة كريمة في المناطق الريفية، اما المسار الآخر والذي يشكل عنوانا لهذا المؤتمر فيجب ان يركز على تحسين ظروف الحياة في المدن بجعلها أماكن ذكية.
هذان المساران يحتاجان الى العمل بشكل متواز ومنسجم عن طريق الاستعمال المبتكر للتكنولوجيات الصاعدة من أجل تأمين نجاح طويل الامد".

وسألت: "ما هي المدينة الذكية؟ إذا سألنا خمسة اشخاص يمكن الحصول على خمسة اجوبة مختلفة. الفنان يعتقد ان المدينة الذكية هي مدينة تعتمد على Hi-Tech، تكنولوجيا عالية المستوى فيها سيارات طائرة ربما وابنية عائمة، اما المحاسب فيرى انها مدينة مكتفية ذاتيا وفيها تنتج على سطوح الابنية المرتفعة وناطحات السحاب كل انواع الغذاء وموارد الطاقة الضرورية لجعلها حية، اما الصحافي فقد يعتقد انها مكان منمق فيه بنية تحتية حديثة جدا شبيهة بوادي السليكون فالي، اما المتخصص بالتكنولوجيا او الطالب الموهوب في التكنولوجيا فقد يعتبر ان المدينة الذكية هي المكان الذي يمكن تشغيل كل الوظائف فيه عبر جهاز الهاتف الذكي. اما السياسي فيعتقد ان المدينة الذكية ليست سوى عبارة عن تمرين تسويقي او نوع من العلامة التجارية التي قد نستعملها لتسويق بعض المنتجات وتحويل بعض المنتجات القديمة وتغليفها بطريقة حديثة ملونة تستطيع جذب الانظار".

وقالت: "لا شك ان هناك عنصرا من الحقيقة في كل هذه الآراء والتفسيرات حول المدينة الذكية. المدينة الذكية يمكن تعريفها بطرق مختلفة تبعا لمستوى التنمية السائد، هذا يعني ان المدينة الذكية في اوروبا قد تكون مختلفة بمفاعيلها عن مدينة ذكية في لبنان او في الأردن او في مصر. طبعا هذا عائد الى أن المدن المختلفة تواجه انواعا مختلفة من المشاكل والتحديات، كما ان الاولويات ليست هي نفسها، ففي دول الخليج مثلا تعتبر ادارة المياه من المشاكل الكبيرة، اما في بيروت فإن تأمين الطاقة والكهرباء بشكل مستدام هو الاولوية، والتلوث في بيجين، والمواصلات في مدن مثل مومباي ولندن. إلا أن القاسم المشترك هو أن المدينة الذكية، اينما وجدت، تعمل على استخدام التكنولوجيا الذكية لتأمين الحلول للمشاكل المستعصية، وتحسين نوعية حياة ساكنيها وتلبية حاجاتهم، كما هناك قواسم مشتركة على مستوى الشروط الضرورية للوصول الى مدن ذكية يمكن تلخيصها بما يلي:

اولا- التكنولوجيا الذكية: وهذا يتطلب بنية تحتية رقمية قابلة للنمو والاستدامة لتأمين:
أ- التواصل (connectivity)، وهنا اهمية وجود بنية تحتية صلبة من انترنت والياف ضوئية.
ب- منصات رقمية مشتركة متعددة الاستعمالات للهوية والدفع ومنصات للخدمات المفتوحة والبيانات المفتوحة.

ثانيا- جعل المواطنين في صلب هذه الإجراءات عبر خلق مجتمع يتمتع بالشمولية الرقمية، وهذا يتطلب مهارات وخلق فرص عمل ووظائف، كما يجب استعمال هذه التقنيات الذكية والاستفادة منها في قطاعات الصحة والرفاهية والرعاية الاجتماعية والبيئة الخضراء.

ثالثا- الـeconomy focus، أي التركيز على الجانب الاقتصادي عبر خلق بيئة مستدامة لمستقبل مزدهر وهذا يتم عبر الابتكار والريادة في استعمال تكنولوجيا المعلومات لتقديم الخدمات، وهذا سيؤدي الى صناعات رقمية تحفز وتنشط اقتصاد المعرفة.
اضافة الى هذه القواسم المشتركة والشروط الضرورية، هناك مبادئ عامة يجب ألا نغفلها عندما نتحدث عن المدن الذكية، وهي:

اولا- تحفيز استعمال المعلومات data التي تشكل اصلا اساسيا من اصول الدول والمجتمعات في عصر التكنولوجيا الرقمية والمعلومات (الداتا او المعلومات يجب استخراجها وتنقيتها وعرضها على منصات مفتوحة لجعلها قابلة التسويق وللاستعمال في تطبيقات تقديم الخدمات).

ثانيا- تشجيع انخراط ومشاركة المواطنين في استعمال هذه التكنولوجيا وتأمين خدمات يكون في صلبها الاهتمام بحاجات المواطن وايصال الخدمات له بطريقة فعالة.

ثالثا- تمكين ودمج البنى التحتية (الصلبة والناعمة) والاجراءات المبتكرة.

رابعا- النظر الى المدن الذكية على انها نظام لادارة وتنسيق منظومات متعددة (system of systems) يكون المعنيون فيها والمالكون متعددون في قطاعات الطاقة والصحة والنقل ومعالجة النفايات.

خامسا- انشاء نظام حوكمة رشيد لادارة هذه المدن الذكية. واسمحوا لي هنا ان اشير الى اننا خطونا في لبنان خطوة كبيرة في هذا المجال من خلال وضع مسودة الاستراتيجية الوطنية للتحول الرقمي وهي لا تعنى فقط بالحكومة المركزية انما بكل لبنان ، حكومة وبلديات ومواطنين ومستثمرين وجمعيات ومقدمي خدمات تكنولوجية ومؤسسات محلية ودولية. كل هذه الاطراف يجب ان تعمل معا لتحسين ظروف العيش وفرص العمل والرفاهية للمواطنين، وكلهم معنيون بالتحول الرقمي".

ورأت أن "مدننا تحتاج الى بنية تحتية اساسية صلبة وناعمة، وهذا يتطلب استثمارا ذكيا مبنيا على معطيات ومعلومات وارقام. استثمار ينتج من تخطيط طويل الامد ويهدف الى تحقيق مخرجات محددة وقابلة للقياس. وفي مقدمة هذه المخرجات تأتي المهارات الرقمية واقتصاد المعرفة وخلق فرص العمل وادارة الازمات المتزايدة للنفايات الصلبة ولزحمة السير الخانقة ولازمة السكن وتلوث البيئة وغيرها من التحديات التي تواجه مجتمعانا.
ونحن نأمل ان تخلق بعض المبادرات الجديدة للمدن الذكية والتي يدعمها مؤتمر سيدر، سوقا اوسع وفرص عمل اكثر اضافة الى فتح مسارات للتعاون المحلي والوطني والاقليمي والدولي.
هناك دول ومدن عديدة تحولت لتكون مدنا ذكية، يجب ان نستفيد من خبرتها وتجاربها التقنية، ويجب خلق البيئة الضرورية المحفزة للابداع في استعمال الداتا. خاصة ان الداتا التي سنحصل عليها من خلال التحول نحو المدن الذكية ستجعلنا قادرين على تقديم خدمات جديدة معتمدين على المعلومات والبيانات من عدة مصادر وليس على فرضيات.
هذه البيانات اذا احسنا استخدامها في مختلف الميادين مثل الصحة، والتنمية، والبيئة ستفتح المجال لخدمات ابداعية مستقبلية امام جميع المواطنين".

وختمت: "إن اجتماعنا اليوم هو فرصة للإضاءة على بعض الامور والتحديات التي تواجه مجتمعاتنا ومستقبلنا الرقمي والعالم على أبواب الثورة الصناعية الرابعة. هناك الكثير من الاسئلة التي لا نملك الاجوبة النهائية عنها، ولكني على قناعة ان العمل الدائم والحوار المستمر والشامل والمشترك وتشارك الخبرات في ما بيننا سيوصلنا جميعا الى الاجوبة المناسبة وسيجعلنا اكثر ذكاء في التعامل مع تحدياتنا".

وعن التنمية المستدامة كانت مداخلة لممثل منظمة CLG-MEWA التركية محمد دومان، ومن السعودية ورقة عمل قدمها ممثل المعهد العربي لإنماء المدن عن دور المرصد الحضري في المدن الذكية.

شارك في الجلسة الثانية عن الاتحاد الدولي للاتصالات من مصر المهندسة روده الامير علي التي تحدثت عن التحول الرقمي والمدن الذكية والامن السيبراني، ومن لبنان عن شركة "ألفا" للاتصالات رشيد حجار، ومن الاْردن محمد العبرة الذي قدم ورقة عمل حول علاج التوحد باستخدام الذكاء الاصطناعي.

يشار الى ان ورشة العمل تستمر حتى يوم غد حيث سيتم عرض 13 ورقة عمل تستهدف واقع الحال قبل عملية التحول وتحديد الاتجاه المستقبلي للخدمات البلدية، وكيفية استشراف المستقبل لوضع استراتيجيات التحول الذكي وسبل الاستفادة من البيانات الكبيرة في هذا المجال، بالاضافة الى العقبات وخطط التغلب عليها والعمل نحو الاحول الالكتروني، متضمنة الرؤى والاستراتيجيات والسياسات المتبعة في عملية التحول.