عندما قصدتُ المكتبة الأسبوع الماضي، نصحتني الموظفة التي تفقه جيّداً شغفي بالكتب بقراءة رواية «أريد رجلاً» للكاتبة المصرية نور عبد المجيد، الصادرة عن دار الساقي في لبنان، لأنها تسير على إيقاع السينما وتبتعد من أطر الفلسفة والتجرّد الذاتي.. وهو مسارٌ جديد نوعاً ما في قراءاتي المتعمّقة في السرد الذي يتوغل في دواخل النفوس البشرية ومضائقها ومسالكها المتعرّجة، ومتنفّس للخروج من دائرةٍ تسبر مناطق الفكر والتحليل.
 

بدأت بقراءة البداية التي تسرد الحدث بالثواني وليس فقط بالصورة المتخيّلة للمشهد. في البدء شعرتُ بنوعٍ من «الترفيه» النفسي، وبعد فصلٍ واحد قلّبت الصفحات سريعاً واختصرتُ الفصول برمّتها مع الحوارات المطوّلة، لأصلَ إلى النهاية المتوقعة التي تصفع القارئ بخيبة تشبه رقعة الرتابة التي بدأت بها.

قصة فتاة تُدعى أمينة تعمل في بنك أجنبي من بنوك مصر، تموت أمها وهي مخطوبة لشابٍ من الصعيد يدعى سليم، أمه التي فقدت أباه وهي حاملٌ به قد راهنت أن تزوّجَه من فتاة من قريته ولكنها تتراجع أمام إصراره الحديدي.

تتزوّج أمينة من الشاب ويذهب أبوها ليبحث عن سيدة تدعى هالة وقع في غرامها خلال فترة زواجه من أمها ولكنّ ظروف زواجه منعته من الارتباط بها. 

تلعب الصدفة «المستحيلة» التي انبثقت في فكر الكاتبة من العبث الخيالي، والبحث عن نقطة فاصلة تكمل بها سرد الرواية، فتشاء الأقدار أن تكون أم سليم على علاقة قديمة بهالة حبيبة والد أمينة، وتدفع معرفتها بها أن تصرَّ على تزويجه من ابنتها لبنى التي تقع في غرامه، بحجّة أنّ أمينة لا تُنجب إلّا الإناث، وهي تحلم بوليّ العهد الذي يرث اسم جده. 

المدهش المضحك بأنّ سليم يتقبّل فكرة أمه بسلاسة ودون طول صراع نفسي، وكأنّ الكاتبة تسيّره وفق هواها وهو أمرٌ يستحيل أن ينطبق على ذهنية العصر لدى الشبّان أيّاً كان انتماؤهم البيئي أو الثقافي أو الإجتماعي. 

تتقدّم الأحداث بالرتابة ذاتها والضيق النفسي المتجمّع على شكل حلقاتٍ إنسانية تتخبّط في صراعاتها الذاتية والغيرية، ويصل بالطبع الأمر إلى النهاية المتوقعة، تثير أمينة ضجّة إعلامية بعد أن تعلم بزواج زوجها من أخرى، وتتطرق إلى موضوع غريب وهو حقها في أن تحصل على ذكر وبناءً عليه تطلب الإنفصال من زوجها الذي لا ينجب إلّا الإناث، وكأنها تتحدّى ذكوريّة مجتمع يُلقي اللومَ على المرأة دائماً. فيطلّق سليم زوجتيه بعد أن يفقد الحبّ الذي شبّ بحرائقه بينه وبين أمينة ويعجز أن يعشق زوجته الثانية.

رواية تشبه الأفلام التجارية التي روّج لها المنتجون الفترة الماضية فترة التسعينات، لم تستطع أن تطرق أسوارَ الإبداع، وقد تحوّلت إلى مسلسل تلفزيوني يهدف إلى التسلية لا التشويق، والتسرية لا التسوية الأخلاقية والإجتماعية للبيئة الشرقية.

السياقية والإنسياقية السردية شبه معدمة، والحبكة تقوم على التنظير السطحي لردود الأفعال دون أن تكشف غلالة الحدث عن خلفية فكرية عميقة للراوية، بل نلحظ أنّ جلّ تفكيرها ينصبّ في نصب مواقع ثابتة لكلّ شخصٍ من شخوصها، لا يتحرّك من خلاله إلّا وفق إرادتها الذاتية، تقترف من خلاله الإطالة والإطناب، والإسهاب القاتل، حتى تتضخّم مادة كتابها بصفحات كثيرة لا طائل فيها، وكأنها تريد أن تلعب دور السيناريست لتفرض إرادتها في تحويله إلى عملٍ تمثيلي، والتسويق لا يصنع مبدعاً بل يثبط عزائم النظم والمنهج الأدبي المرتسم في حواشي النص، فتطمس جماليات السرد وتظهر الإشكالية القائمة في عجز الكاتب عن تنسيق عناصر التعبير والتركيز والبنيوية الهيكلية لحكايته التي من المفروض أن تحتوي على مهارات توقعية وإسقاط زمني معيّن.

نور عبد المجيد كاتبة تصلح للسيناريو أكثر من حبك ونسج رواية لم تختزلها من الميلودراما الإجتماعية بل من الصدفة واللامبالاة والتحّول اللامنطقي في مجرى الأحداث.