كانت الامور مقفلة حتى مطلع الأسبوع الماضي. وكانت المعطيات تؤشّر إلى ضرورة تفاهمٍ ما، لإدارة مرحلة الفراغ الحكومي بأقل الأضرار الممكنة. رئيس حزب القوات اللبنانية سمير جعجع، وخلال لقائه الأخير بالرئيس المكلّف بتشكيل الحكومة سعد الحريري طرح تفعيل عمل الحكومة المستقيلة وعقد اجتماعات الضرورة . طرح جعجع وصل الى مسامع قصر بعبدا الذي رفض الفكرة جملةً وتفصيلاً. لكنّ جعجع كان يستعدّ مطلع الاسبوع الماضي لطلب زيارة قصر بعبدا ولقاء رئيس الجمهورية لإقناعه بالطرح.
فجأة زالت العقبة الأساسيّة بعد انفراج الأزمة السياسيّة في العراق. فقد كانت معادلة لبنان مقابل العراق هي التي توصد باب الحلّ الحكومي اللبناني.
بعد إنجاز تفاهم في بغداد لصالح حلفاء إيران، لا بدّ من تعويضٍ معاكس في بيروت، في إطار لعبة التوازنات الإقليمية.
رأت بيروت الضوء الأخضر وتبدّل المناخ، فتحدّث رئيس المجلس النيابي نبيه بري عن بصيص أمل، ثم أعلن الحريري عن ولادة حكومة خلال عشرة أيام.
قد يأخذ تشكيل الحكومة مدةً أطول، لكنّ المقصود أنّ قطار التشكيل انطلق، وأنّ الحكومة اصبحت في المربّع الأخير.
رئيس الجمهورية أبلغ هذه الأجواء الى الفرقاء ومنهم «حزب الله». لكنّ مفاوضات المربّع الأخير ستكون صعبة وستشهد مناورات ليّ الأذرع وهو ما بدأ في كل الاحوال. لكنّ ذلك لن يوقف مسار الولادة الحكومية في غالب الظن.
أمّا العناوين العريضة للتشكيلة الحكوميّة فاستقرّت على التالي:
اوّلاً لن يكون ثلثٌ معطّل لأيّ فريق، والوصفة السحرية هي الثلاث عشرات. عشرة وزراء لرئيس الجمهورية التيار الوطني الحر، عشرة وزراء لتيار المستقبل والقوات اللبنانية وعشرة وزراء للثنائي الشيعي ووليد جنبلاط والمردة.
ثانياً: لن يتمثل النواب السنّة من خارج تيار المستقبل إلّا إذا ارتأى رئيس الجمهورية توزير أحدهم من حصته.
ثالثاً: تنازل رئيس الجمهورية للقوات اللبنانية عن مقعد نائب رئيس الحكومة بعدما كان المطلب محظوراً.
رابعاً: الوزير الدرزي الثالث مشترك بين وليد جنبلاط وطلال ارسلان، وإذا أصرّ ارسلان على توزيره يكون التعويض على جنبلاط بوزير مسيحي.
وفق هذه العناوين بدا أنّ الرئيس عون تكفّل بباسيل، والحريري التزم جعجع وبري ضمن جنبلاط.
بيك المختارة، المشهود له بتكييف نفسه مع الحلول عند ظهور تباشيرها، غرّد قائلاً إنّ عرض باسيل جدير بالدرس، بعدما كان غرّد قبل ساعات متهكّماً بأنّ باسيل هو المعيار.
وبخلاف الانطباع السلبي الذي ساد عقب مؤتمر باسيل الصحافي، فإنّ العارفين يضعونه في اطار مناورات المرحلة الأخيرة والصراع على الحقائب لتحسين الشروط، ذلك أنه قبل كلام باسيل كان جعجع قد رفع سقف المطالب مطلقاً صافرة بدء مناورات تحسين الشروط وليّ الأذرع.
وقيل إنّ رئيس القوات وصله أنّ حصّته باتت أربعة مقاعد: نائب رئيس حكومة وزير دولة، وثلاث حقائب هي التربية والشؤون الاجتماعية والثقافة، فعمد جعجع فوراً الى المطالبة بحقيبة رابعة تُسند الى نائب رئيس الحكومة.
الانطباع الأوّلي كان أنّ جعجع يحاول تعزيز حصته طالما أنّ الوقت يسمح بذلك. وجاء كلام باسيل رداً على ذلك بالحديث عن معيار خمسة نواب للمقعد الوزاري.
يعتقد المعنيّون أنّ الحصة المطروحة حالياً أي نائب رئيس حكومة من دون حقيبة هي التي ستُعتمد في نهاية الأمر، ولكن بعد الكثير من الأخذ والرد وشدّ الحبال. كذلك يبدو أنّ منح المردة حقيبة الأشغال هو الأكثر ترجيحاً.
ستنشط الحركة كثيراً في الأيام المقبلة على محور أساسي هو سعد الحريري، قبل تصاعد الدخان الابيض. وعلى الجدول لقاء بين الحريري وباسيل وآخر بين الحريري وجعجع وثالث بين الحريري وجنبلاط.
صحيح أنّ المناورات الساخنة ستزداد، لكنّ الصحيح أيضاً أنّ الأفق انجلى وأنّ حكومةً ستعلن خلال الاسابيع القليلة المقبلة.
لكنّ السؤال المطروح ماذا بعد؟ وكيف ستكون نقاشاتُ البيان الوزاري؟ وما هي الإصلاحات الصعبة وقليلة الشعبية التي ستتّخذها الحكومة لوضع حدٍّ لشبح الركود الاقتصادي والانزلاق ناحية الإفلاس؟
واذا كان واضحاً أنّ هذه التشكيلة الحكومية، وفق عناوينها العريضة، تعني عدم منح «نقاط رئاسية» لأحد وترك هذا الملف حتى يحين موعده، تماماً كما قال نائب امين عام «حزب الله» الشيخ نعيم قاسم بأنّ الاستحقاق الرئاسي يُحسم قبل أسابيع معدودة من موعده ووفق حسابات لا علاقة لها بالحكومة، فإنّ ما لفت هو التقاطع في إحدى النقاط بين كلامَي الحريري وباسيل. فالأول اعترض على حكومة هناك متاريس بين مكوّناتها، والثاني تحدث عن حكومة منتجة كأولوية مطلقة.
بالتأكيد فإنّ منطق عمل الحكومات يلحظ هذين الشرطين كمبدأ عمل طبيعي. لكن في لبنان، ووفق منطق حكومة الوحدة الوطنية التي تضمّ جميع الأطياف الاساسية المتناقضة والمتصارعة، فقد تكون لهذا الكلام أبعاد أخرى.
فالحكومة المستقيلة شهدت صراعات عنيفة على بعض الملفات كمثل ملف بواخر الكهرباء. فهل ستشهد مفاوضات ربع الساعة الأخير طلباً لتفاهمات مسبقة؟