هذا السؤال الصادم كان محور نقاشات مستفيضة بين رجال أعمال و خبراء ماليين واقتصاديين ومجموعة طلاب جامعيين.
كان واضحاً أن اهتمام الشباب الجامعيين يتركز على مرحلة ما بعد تشكيل الحكومة, المرجح أن تستمر حتى نهاية العهد, ومدى قدرتها على إخراج البلد من مسلسل الأزمات التي يتخبّط فيها, والتي تهدّد مستقبل الآلاف من خريجي الجامعات الذين لم يقرّروا بعد مغادرة لبنان, والبحث عن حياة مستقرة ولائقة في الخارج.
لا مجال للخوض في تفاصيل النقاش الجدي والمهني الذي ساد حلقة الحوار, ولكن من الممكن تلخيص بعض المفاصل الأساسية, وما توصلت إليه من استنتاجات, وذلك من خلال النقاط التالية:
١ - السجالات الساخنة والعقيمة بين الأطراف السياسية الأساسية المعنية بتأليف الحكومة توحي وكأن الواقع المرير الذي يعاني منه البلد, في قطاعاته الإنتاجية والخدماتية, لا يعني أصحاب الشأن, أمام بحثهم المستمر عن مصالحهم الحزبية والشخصية في المحاصصات الحكومية, ووضعه في مقدمة الأولويات المتداولة في أجنداتهم!
الأمر الذي يُرجح تأخر ولادة الحكومة الجديدة فترة أخرى, قد يكون تعدادها بالأشهر أيضاً.
٢ - إن نجاح الأطراف السياسية المعنية بالتغلب على خلافاتها المزمنة, والتوافق على صيغة تأليف الحكومة العتيدة, لا يعني أن أوضاع البلد ستنقلب فوراً من التردّي الحالي إلى ما نتمناه من حركة إنتاجية سريعة, وجدّية مطلوبة في مقاربة الملفات الصعبة, خاصة بالنسبة لأزمة الكهرباء ومشكلة النفايات, فضلاً عن مكافحة الفساد ووقف الهدر والسرقات للمال العام, وذلك لعدم توفر خطة عمل واضحة, ولا رؤية واحدة لدى أهل السلطة, فضلاً عن تضارب المصالح في ما بينهم, واحتمالات نقل الخلافات إلى طاولة مجلس الوزراء.
٣ - أثبت الفشل الذريع بمعالجة مشكلة الكهرباء, وروائح الفساد التي رافقت محاولات التعاقد مع البواخر التركية, أن الإدارة السياسية الحالية ليست قادرة على استعادة الثقة المفقودة, داخلياً وخارجياً بسهولة, وبالتالي لن يكن من السهل عليها التغلب على مثل هذه المشاكل بالسرعة المرجوة, خاصة في حال استمرار العقلية التي كانت سائدة في الحكومة المستقيلة, والقائمة على المعاندة والمكايدة, من دون الأخذ بالمصالح الاستراتيجية للبلد في إيجاد حلول مناسبة لأزمة الكهرباء, بكلفة مدروسة, وبشكل جذري وواقعي مقبول.
٤ - نجاح الرهان على مقررات مؤتمر «سيدر» بدأت حظوظه تتراجع لعدة أسباب, منها بعض ما ورد سابقاً, ولكن أكثرها يعود إلى هذا التأخير المتمادي في تأليف الحكومة, والذي يُظهر مدى هشاشة الوفاق الداخلي, وتداعياته السلبية المتزايدة على الاستقرار, وعلى سرعة اتخاذ القرارات الإصلاحية المطلوبة. بل ثمة تخوف لدى أوساط الدول المانحة في مؤتمر «سيدر», من أن تؤدي الخلافات المعهودة بين الأطراف السياسية, إلى تعطيل ورشة الإصلاحات المنتظرة, وبالتالي تضييع الفرصة المتاحة لإنعاش الاقتصاد اللبناني, وإخراجه من حالة الاختناق الراهنة, تماماً كما سبق للبنانيين أن أضاعوا فرص مشابهة في السنوات الماضية.
ولا مجال لتحرير التزامات «سيدر», من مساعدات وقروض ميسّرة, من الشروط الإصلاحية الحاسمة المرتبطة بها, لأن التجارب السابقة للدول المانحة مع لبنان لم تكن ناجحة, حيث لم ينفذ الجانب اللبناني ما كان يتعهد به من إصلاحات بنيوية ومالية, مقابل حصوله على الدعم الدولي المطلوب.
٥ - تردّي علاقات لبنان مع الأشقاء الخليجيين أفقد البلد ركيزة أساسية, لطالما استند عليها لبنان في المراحل الاقتصادية الصعبة, حيث تسجل الاستثمارات الخليجية خروجاً متزايداً من الأسواق اللبنانية, في ظل تراجع مستمر للصادرات اللبنانية إلى الدول الخليجية, التي تشكل المنفذ الرئيسي للمنتوجات الصناعية والزراعية اللبنانية. ولا يبدو في الأفق حالياً أن ثمّة بوادر لتصحيح هذا الواقع الشاذ.
الحديث يطول عن حلقة الحوار التي اتسمت بكثير من الموضوعية والمصارحة ووضع النقاط فوق حروفها الصحيحة, من دون أي مجاملة أو مواربة, حيث ساوى الجواب على السؤال الصادم بين نتائج التأليف واحتمالات المزيد من التأخير, على خلفية العجز المتوقع للحكومة الجديدة في إدارة ورشة الإصلاح المنشودة!