كشف نشر روسيا لقواتها في ريف البوكمال، للمرة الأولى منذ دحر تنظيم الدولة من هذه المناطق القريبة من الحدود العراقية، عن تغييرات جديدة، تبدو موسكو عازمة على اتخاذها.
وكانت شبكات محلية، أكدت وصول العشرات من العناصر والمدرعات التابعة للجيش الروسي إلى ريف البوكمال، مشيرة إلى انتشارها في مواقع قريبة من نقاط تمركز المليشيات المحسوبة على إيران.
وتكتسي البوكمال أهمية خاصة لكل الأطراف الموجودة في سوريا، بسبب وجود المنفذ الحدودي السوري-العراقي (معبر البوكمال) فيها، إلى جانب قربها من منطقة التنف (المنطقة 55)، فضلا عن تركز الكثير من حقول النفط والغاز فيها، فهل تحاول موسكو الحد من النفوذ الإيراني بنشر قواتها هناك، عبر سحب البساط من الولايات المتحدة التي قرنت تواجدها بسوريا بوجود إيران.. أم ماذا؟
من جانبه، اعتبر الكاتب الصحفي المختص بالشأن الروسي، طه عبد الواحد، أن وصول روسيا إلى البوكمال ونشرها قوات فيها، يعني أن موسكو تضع يدها على أجزاء مهمة من الخط الواصل من طهران حتى بيروت، وهو الخط الذي يرى مراقبون أن إيران تسعى للسيطرة عليه لضمان التواصل مع "حزب الله"، وهو خط يضمن بالدرجة الأولى لإيران سيطرة إقليمية غير مسبوقة.
الحد من وجود إيران
واللافت بحسب إشارة عبد الواحد خلال حديثه لـ"عربي21"، أن انتشار القوات الروسية في البوكمال يأتي بعد أيام على تسريبات عن دخول الروس القاعدة الجوية المعروفة باسم "تيفور" في محافظة حمص التي تبعد نحو 60 كيلومترا عن مدينة تدمر، علما بأن القاعدة كانت تحت سيطرة إيران مباشرة.
وأوضح أن قاعدة "التيفور"، تعتبر واحدة من النقاط الرئيسية على الخط الإيراني من طهران حتى بيروت، ما يعني أن هذه المستجدات تدفع إلى الاعتقاد بأن روسيا، تواصل العمل على الحد من الوجود الإيراني في سوريا بشكل عام، في ظل الموقف شبه الموحد دوليا بشأن ضرورة خروج الإيرانيين من سوريا.
وبالبناء على ذلك، فإنه لا يبدو صعبا من وجهة نظر عبد الواحد، القول بأن روسيا تحاول سحب البساط من تحت أقدام من قد يستغلون بقاء إيران في سوريا كمبرر للقيام بعمل عسكري أو تعزيز وجودهم هناك.
وأضاف: "لا يجوز أن ننسى هنا أن الأمريكان يربطون بقاء قواتهم في سوريا إلى حد بعيد ببقاء أو خروج الإيرانيين، فضلا عن ذلك فإن الوجود الإيراني كان وما زال مصدر توتر مستمر للعلاقة بين موسكو وتل أبيب، وإن آخر ما تريده روسيا هو مواجهة إسرائيلية مع الإيرانيين في سوريا".
لكن وفي مقابل ذلك، لم يستبعد الكاتب الصحفي، أن يكون التحرك الروسي جزءا من تفاهمات في الكواليس توصل إليها الروس والأمريكان.
تخبط روسي
وفي تفسير آخر للخطوة الروسية، اعتبر الخبير العسكري والاستراتيجي العقيد حاتم الراوي، أن كل ذلك يؤشر إلى تخبط روسي واضح، بدأ يظهر حادثة إسقاط طائرتها الاستطلاعية (إيل-20) بمضادات النظام السوري بالخطأ، الشهر الماضي.
وموضحا ما يعنيه من حديث عن تخبط روسي قال لـ"عربي21" إن "روسيا منذ تلك الحادثة التي أحرجتها دوليا، أعلنت عن تسليم النظام منظومة "إس 300" للدفاع الجوي، وهي كذلك تناقض تصريحاتها بشأن مستقبل إدلب، والآن جاء هذا التحرك المريب في البوكمال".
احتكاك مع أمريكا
وما يؤكد وجهة نظر الراوي، هو التواجد الكثيف للقوات الأمريكية على مقربة من البوكمال في المناطق الخاضعة لسيطرة "قوات سوريا الديمقراطية – قسد".
وأضاف أن جلب روسيا لقواتها ومدرعاتها العسكرية إلى هذه المنطقة يعطي انطباعا بأن لدى الروس نوايا بالتحرش بالولايات المتحدة هناك، وعلق بالقول: "لا مبرر مقنعا لامتداد روسيا لهذه المناطق البعيدة جدا عن مناطق نفوذها، سوى الاقتراب من القواعد الأمريكية، كنوع من إثبات الوجود".
(مصطفى محمد )