داخلياً، شغل الاوساط اللبنانية على اختلاف مستوياتها أمس سؤال طرحه تفاؤل الرئيس المكلف سعد الحريري بتأليف الحكومة خلال اسبوع الى عشرة ايام، وهو: هل نضجت الطبخة الحكومية، ودخل التأليف في المخاض؟
لكنّ المواقف التي حفلت بها الساعات التي تلت مقابلة الحريري المتلفزة، وعودة الاشتباك السياسي بين «التيار الوطني الحر» و«القوات اللبنانية» تُنبىء بأنّ تأليف الحكومة ما زال بعيد المنال، أللهم إلّا اذا اندرجت مواقف الاطراف في سياق رفع سقوف التفاوض بغية تحسين مواقعها الوزارية وتلبية شروطها.
في كل حال الايام المقبلة كفيلة بتظهير الصورة، خصوصاً انّ الرئيس المكلف يستعدّ لجولة مشاورات جديدة قبل التوجه الى قصر بعبدا في قابل الايام.
وذكرت مصادر معنية بالتأليف انّ رئيس الجمهورية وافق على إعطاء منصب نائب رئيس الحكومة الى «القوات اللبنانية» مشفوعاً بـ3 وزراء، الّا انّ «القوات» تشترط إسناد حقيبة وزارية أيضاً لنائب رئيس الحكومة، كذلك تطالب بحقيبة وزارة العدل. واشارت المصادر الى انّ المفاوضات ستتمحور حول هذه النقطة.
بعبدا
وقالت دوائر قصر بعبدا لـ«الجمهورية» انّ رئيس الجمهورية العماد ميشال عون يتتبّع التطورات والمواقف، ولاسيما منها تلك المتصلة بمسألة تأليف الحكومة، وهو ينتظر النتائج التي يمكن ان تفضي اليها المشاورات التي يجريها الرئيس المكلف بعد اللقاء الذي جمعهما عصر الأربعاء الماضي. واشارت الى انّ عون «يأمل في أن تُستأنف المساعي لتأليف الحكومة وفق المبادىء التي تمّ التفاهم عليها، وهو ينظر الى المواقف الجدية وليس الى تلك التي يُعبَّر عنها في وسائل الإعلام والتواصل الإجتماعي، ويراهن على الإسراع في التأليف نظراً لحاجة البلاد الى حكومة فاعلة ومُنتجة يتوافق أعضاؤها من الآن على التفاهم لا التناحر».
الحريري وباسيل
والى ذلك قالت مصادر وزارية قريبة من بعبدا لـ«الجمهورية» انّ مواقف الساعات الماضية «لا تخرج عن منطق وإطار تسجيل المواقف بسقوف عالية». وأملت المصادر في أن «تعوق هذه المواقف التأليف، وان تنتهي قريباً عملية تجميع الأوراق للعودة الى مسار التأليف الذي لا بد منه وقد آن أوانه». وتوقعت «لقاء قريباً لا بد منه بين الرئيس الحريري والوزير باسيل للوقوف على المقترحات الجدية ومقاربة المواقف من باب الحاجة الى حكومة متجانسة لا وجود للمتاريس بين اعضائها من الآن».
«حزب الله»
في هذا الوقت، أبدى «حزب الله» تفاؤله باقتراب موعد تشكيل الحكومة في ضوء المعطيات التي ترددت عن اللقاء بين عون والحريري. وكررت مصادره التأكيد انّ الحزب على موقفه بدعوة جميع الافرقاء الى تسهيل التأليف، وتسريعه على قاعدة وحدة المعايير بما يتناسب مع التمثيل الصحيح وفق نتائج الانتخابات النيابية.
وعن موضوع إسناد حقيبة وزارة الصحة للحزب، قالت المصادر لـ«الجمهورية»: «هناك اتفاق بين الحزب ورئيس مجلس النواب نبيه بري والرئيس المكلف ورئيس الجمهورية على حقيبة وزارة الصحة، واذا كانت القوى الداخلية متفقة في ما بينها فلا يضرّها أي تهويل خارجي. وأساساً التهويل الاميركي ليس إلّا تدخلاً فظاً وسافراً في الشؤون الداخلية اللبنانية لأنّ الاميركيين يتدخلون في تشكيل حكومة تنبثق من الانتخابات النيابية التي حقق فيها «حزب الله»، بما هو قوة سياسية رئيسية في البلاد، فوزاً واضحاً وصريحاً. وبالتالي، هذا التدخل الاميركي أو اي تدخل يهدف الى التهويل في موضوع أي وزارة من الوزارات، سواء كانت وزارة الصحة ام غيرها، هو تدخل سافر ومرفوض».
وهل انّ «الحزب» حدّد ما يريده من حقائب الى جانب حقيبة الصحة؟ أجابت المصادر: «الموضوع عند الرئيس بري وهو متفق مع الرئيس الحريري على قواعد التأليف، ومن بينها إسناد وزارة المال الى حركة «أمل» ووزارة الصحة الى «حزب الله»، ولن نختلف مع الرئيس بري على الحقائب الأربع المتبقية».
«التيار» لـ«الجمهورية»
وقالت مصادر رئيس «التيار الوطني الحر» الوزير جبران باسيل لـ«الجمهورية»: «لا تزال حملة الافتراءات مستمرة، والرأي العام هو الوحيد القادر على تمييز النيات الصادقة من النيات الكاذبة. العدالة أساس الحكم الناجح والمنتج، ونحن كتكتل نيابي وتيار سياسي لا نطالب الّا بالعدالة السياسية لنا ولغيرنا، لكننا لن نسمح لأحد بأن يُضعِف موقع رئاسة الجمهورية او يسلبها حقوقاً مكتسبة بقوة الاعراف. فمنذ أوّل حكومة تشكلت بعد «اتفاق الطائف» هناك حصة وزارية لرئيس الجمهورية، ويؤسفنا انّ الذين يسعون الى إضعاف الرئاسة هم الذين كان يفترض بهم، ربما اكثر من غيرهم، أن يدعموها. لن ندخل في سجال مع أحد، نحن نريد حقوق الناس الذين نمثّلهم بقوة الشرعية الانتخابية. وننتظر ما سيقرره رئيس الجمهورية مع الرئيس المكلف لأنهما المخوّلان دستورياً دون سواهما تشكيل الحكومة ووضع معاييرها، وهما من دون أدنى شك يحترمان الارادة الشعبية التي عبّرت عن نفسها في الانتخابات النيابية. وعندما تصدر التشكيلة نحدد موقفنا منها كأي كتلة نيابية أخرى».
باسيل
وكان باسيل قد اعتبر في مؤتمر صحافي اننا «قد نكون في المرحلة الاخيرة قبل ولادة الحكومة اذا اعتمدنا المعايير الصحيحة»، مشيراً الى أنّ «المعيار العادل هو وزير لكل 5 نواب، لأننا لو اعتمدنا معيار 4 وزراء لاحتجنا الى 38 وزيراً». وقال: «نريد حكومة وحدة وطنية، لكن ذلك لا يعني أن نقبل بالابتزاز»، مطالباً بمعيار «العدالة السياسية في التأليف». وشدّد باسيل على أنّ «تشكيل حكومة الوحدة هو الاسهل، خصوصاً بعد الانتخابات القائمة على أساس قانون نسبي». وأشار الى أنّ «استهداف حصة الرئيس هو أمر استراتيجي خطير»، مشدداً على أنه «يجب وقف العقلية السياسية التي تخرب العهد من أجل مصالح خاصة». ولفت باسيل الى أنّ «الدستور لا يحدد مهلة للتأليف، لكن على رئيس الحكومة أن يضع مهلة لنفسه». ورأى أنّ «الاتفاق العام في البلد، اذا تمّ تكريسه، يمكن أن ينجز سلاسة في تأليف الحكومة». واكد «اننا مستعدون للتنازل عن وجودنا في الحكومة مقابل أن تكون هناك حكومة». وقال: «تابعنا رئيس الحكومة أمس بفرح، وليضع مع رئيس الجمهورية المعيار، وليقولا لجميع الاطراف بما فيها نحن هذه هي تشكيلتنا، فإمّا أن توافقوا أو لا».
«القوات»
واعتبرت «القوات اللبنانية» انّ باسيل «لا يريد تشكيل حكومة لأنه في كل لحظة تقترب البلاد من التشكيل يعيدنا الى الوراء، امّا من خلال مواجهات معينة، وهذا ما حصل عندما زار رئيس «القوات» الدكتور سمير جعجع قصر بعبدا وطلب رئيس الجمهورية منه التحدث مع باسيل، فأوفد اليه الوزير ملحم الرياشي، لكنّ باسيل في مقابلته المتلفزة في اليوم التالي أطاح كل شيء. وبالتالي، فإنّ الامر نفسه يتكرر اليوم. فبعدما تحدث الرئيس المكلف عن ايجابيات، رأينا انّ الامور عادت الى المربّع الاول: مربّع الصلاحيات والمعايير وتحديد حجم «القوات» وحصتها بـ3 وزراء».
واضافت المصادر: «نحن لا نقبل اطلاقاً بالمعيار الذي وضعه باسيل ونتمسّك بمعيار نتائج الانتخابات وبتمثيلنا، والفوضى في كلامه اكبر دليل الى عدم الجدية. فهو عندما يشعر بأنه قدم تصوراً او أعطى شيئاً يتراجع عنه من اجل حسابات شخصية فقط. قال في مرحلة معينة 31 بالمئة لـ«القوات»، وأمس تراجع الى 25 بالمئة وهكذا دواليك. ليس هناك جدية، وكل ما هو مطلوب المزيد من التسويف والتعطيل والمراوحة واستمرار الفراغ. ما السبب؟ لا احد يدرك او يستطيع تحديد ما هي الخلفية. حاول باسيل نفي ان تكون اولويته رئاسية لكن من الواضح انّ ما يحول دون تشكيل الحكومة هو هذه الخلفية، لأنه يريد حكومة بخلفية وبشروط وبسياسة معينة، وكأنه ما يزال يريد تحجيم «القوات» للحصول على الثلث المعطّل او إخراجها من الحكومة ليحصل على ما يريد، او انّ المطلوب منه عدم تشكيل حكومة في هذه المرحلة لاعتبارات معينة، ومؤتمره الصحافي اكبر دليل انه لا يريد حكومة، وانه يريد ان يستمر الوضع على هذا المنوال حتى إشعار آخر. كنّا اعتقدنا انّ الامور تقدمت، ولكن للأسف إنّ باسيل أعادنا مجدداً الى ما دون الصفر».
وشددت مصادر «القوات» على «أنّ المعيار الاساس في اي دولة هو الانتخابات، ونحن خرجنا من انتخابات. فضلاً عن انّ الرئيس المكلف انطلاقاً من معطيات داخلية وحسّه الوطني، وانطلاقاً من رؤيته للحكومة التي سيترأسها، له الحق ايضاً في التقدير. وباسيل يريد ان يمنع عليه هذا الحق، وان يحدّد له المعايير التي يراها مناسبة. فمن قال انّ المعايير التي يريدها باسيل هي المعايير التي يجب ان تطبّق؟ من قال إنّ حصة رئيس الجمهورية يجب ان تكون 5 وزراء؟ لماذا لا تكون 3 وزراء او 4 او 6 او 7؟ على اي اساس حدّد هذه المسألة؟ ولماذا لم يحددها في اتجاه آخر؟ ولماذا في كل الصيغ التي يطرحها يخلص الى تحديد حصته بـ 11 وزيراً والمتصلة بالثلث المعطّل؟ ولماذا اعاد النقاش الى مسألة الصلاحيات بعدما كان قد بدأ الحديث عن تسريبات صيَغ لا يعرف من هو وراءها؟ وصراحة لم نكن نوافق عليها لأن لا احد ناقشنا فيها جدياً، بل كانت مجرد صيغ إعلامية، وكأنّ الهدف منها جرّنا الى البحث فيها، حتى عندما يبدأ البحث الجدّي يُقال لنا: من طلب رأيكم اساساً في هذا الامر؟ نحن لم نقل انّ موقع نياية الرئاسة او غيره سيؤول إليكم».
ردّ «التيار»
ولم يتأخر رد «التيار الوطني الحر» على موقف «القوات»، فقال مصدر في «التيار» إنّ «القوات» تمثّل «أقل من 25 في المئة من الكتلة الوزارية المسيحية بعد اقتطاع حصة الرئيس، أي 3 وزراء، وهي تمعن في ضرب الرئيس برفض حصة وزارية له».
«الإشتراكي»
ومن جهتها مصادر «الحزب التقدمي الاشتراكي» أوضحت لـ«الجمهورية» انّ الحزب «نظر بإيجابية الى كلام الرئيس المكلف الذي يسعى الى تأليف سريع للحكومة، ومن المؤسف ان يكون كلام الوزير باسيل قد بدّد موجة التفاؤل التي بعث بها الرئيس الحريري الى اللبنانيين، والأمور تبقى رهن الاتصالات السياسية وترجمة الاقوال أفعالاً».
«الكتائب» لـ«الجمهورية»
في هذا الوقت، ذكّر مصدر كتائبي مسؤول، عبر «الجمهورية»، بدعوة رئيس الحزب النائب سامي الجميّل الى «تشكيل حكومة اختصاصيين تتولى تنفيذ خريطة طريق إصلاحية وإنقاذية رسمَ الحزب خطوطها العريضة الاسبوع الماضي». كذلك ذكّر «برفض الكتائب الانضمام الى أي اصطفاف او المشاركة في أي حكومة على قاعدة الصفقات والمحاصصات»، مشدداً على «انّ موضوع المشاركة يمكن أن يبحث متى توافرت النية الجدية لدى المُمسكين الحاليين بالسلطة بولوج مشروع إصلاحي إنقاذي جدّي يُخرج لبنان واللبنانيين من أزماتهم الحياتية والاقتصادية والسياسية».