على جوانب الحرب الأهلية اللبنانية التي اشتعلت أواسط سبعينات القرن الماضي واستمرت لأكثر من خمسة عشر عامًا نشأت مفردات وميليشيات وتنظيمات وأحزاب عسكرية مسلحة استطاعت أن تنخرط في هذه الحرب العبثية وتقود معارك داخلية متنقلة في العديد من المناطق اللبنانية بدعم مباشر من جهات عربية وإقليمية ودولية على كافة الصعد السياسية والأمنية واللوجستية والعسكرية والمالية تنفيذًا لأجندات خارجية كان يتم ترجمتها في لبنان بعدما استبيحت أراضيه وتحولت إلى متاريس مثالية للقتال تحت عناوين وشعارات متنوعة ومتعددة ومتضاربة.
إلا أن الشعار الأبرز والذي شكل في غالب الأحيان بطاقة مرور للإنخراط في قلب الحدث هو رفع راية الحرب ضد عدو مفترض هو العدو الصهيوني والذي يقتضي محاربة إسرائيل لتحرير الأراضي التي اغتصبتها كمقدمة لتحرير القدس كعنوان يلامس الوجدان العربي والإسلامي ومن ثم تحرير كامل التراب الفلسطيني من رجس الاحتلال فيما عرف بالقضية الفلسطينية التي تحولت إلى سلعة للمتاجرة بها.
ومع أواخر ثمانينيات القرن الماضي وبدعم عربي وتأييد دولي واقليمي تم التوصل إلى اتفاقية الطائف التي أنهت الحروب الداخلية بين كافة المكونات اللبنانية، ونقلت الصراع من المربع العسكري المسلح إلى المربعات السياسية والحزبية، وانتقل مع هذا الصراع قادة وزعماء الميليشيات والتنظيمات والأحزاب الذين نزعوا عنهم اللباس الميداني واستبدلوه باللباس الرسمي بانتقالهم من متاريس الشوارع والأزقة والأحياء إلى متاريس ارتفعت داخل المؤسسات الحكومية وإدارات الدولة فاستمر الصراع.
إقرأ أيضًا: الدولة ليست صندوقًا
ولكن بعناوين ارتدت طابعًا طائفيًا ومذهبيًا، حيث كان يتم تأجيج هذه الصراعات وشحنها على خلفية الانتماءات الدينية واستحضار الصفحات الدموية السوداء من التاريخ والمليئة بالأحقاد والحروب ومجازر الإبادة، وتحت شعار "يا غيرة الدين فالطائفة في خطر وتتعرض للتهديد من قبل شركاء الوطن من الطوائف والمذاهب الأخرى".
لكن الصراع وان كان يتخذ شكلًا دينيًا الا أنه في الحقيقة والواقع لم يكن في يوم من الأيام في جوهره وعمقه كذلك، بل أن الصراع في ترجمته العملية على أرض الواقع هو صراع طبقي بامتياز بين طبقة غنية ومترفة من جهة وطبقة فقيرة ومسحوقة ومغلوب على أمرها من جهة أخرى، والشواهد على ذلك كثيرة نذكر منها على سبيل المثال لا الحصر عندما تداعت شرائح مدنية للتظاهر والإعتصام والإحتجاج على ملف النفايات فيما أطلق عليه بالحراك المدني وكيف تم سحقه في الشوارع ورمي قادته في السجون والمعتقلات والزنازبن بعد أن توحدت كافة مكونات الطبقة السياسية الحاكمة على اختلاف انتماءاتها السياسية والحزبية والطائفية والمذهبية، وبكل ما تمتلكه من مقومات القوة المفرطة وتمكنت من ضرب هذا الحراك الذي لا يمتلك من عناصر الاحتجاج سوى الصوت والشعار واليافطة حتى استطاعت أن تقضي عليه نهائيًا.
فهذا مشهد من مشاهد الصراع في البلد والأمثلة أكثر من أن تحصى أما العامل الديني فيتم استخدامه كمتراس يختبىء خلفه قادة وزعماء الطوائف للمضي أكثر في تغولهم والولوغ بعيدًا في ترفهم ومضاعفة ثرواتهم الخيالية على حساب مصلحة الطائفة وحقوق أبنائها المحرومين من الحد الأدنى من حقوقهم المشروعة.
وعليه فالصراع وان كان ولا زال في الظاهر يأخذ شكلًا سياسيًا ودينيًا إلا أنه في مضمونه وجوهره هو صراع طبقي بين طبقة غنية جمعت ثرواتها من عرق الناس بأساليب غير مشروعة ومحرمة على حساب طبقة فقيرة حرمت من أبسط حقوقها، فالصراع هو بين طبقة غنية وطبقة فقيرة ومختصره بين الغني والفقير....