“سوريا دولة ليست ذات سيادة” تلك حقيقة واضحة يؤكدها منذ سبع سنوات قيام دول عديدة بتوجيه ضربات إلى الأراضي السورية، من غير أن تملك الحكومة السورية القدرة على الرد أو حتى الرغبة في ذلك.
منذ أن فُتحت حدود سوريا للجماعات المسلحة القادمة من مختلف أنحاء العالم تم تعليق مسألة السيادة الوطنية. فليست تركيا الجهة الوحيدة التي انتهكت حرمة تلك الحدود، بل إن الحكومة السورية نفسها فعلت الأسوأ حين فتحت الحدود مع لبنان لميليشيا حزب الله، والحدود مع العراق للميليشيات الشيعية الموالية لإيران.
كان يمكن أن تكون سوريا ساحة لحرب ميليشيات تستمر لما لا نهاية لولا التدخل الروسي. غير أن ذلك التدخل لم يقف حائلا دون استمرار تدفق الميليشيات الإيرانية وهو ما وهب إيران موطئ قدم في سوريا، ما كان من الممكن أن تحصل عليه لولا إدراك الحكومة السورية أن تفادي سقوطها مرتبط بفتح حدودها للمقاتلين الأجانب وعدم التفكير بمبدأ السيادة الذي قد يؤدي إلى انهيارها أمام موجات القادمين من تركيا من خلال حدود لم تعد تحت سيطرتها.
وإذا ما كانت إسرائيل لا تنتظر حربا في سوريا لكي تشن غاراتها على مواقع داخل الأراضي السورية، فإنها قد وجدت في تلك الحرب مناسبة لتكثيف نشاطها العدواني تحت ذريعة ضرب مقرات ومنصات صاروخية ومخازن أسلحة تابعة لإيران وحزب الله.
ليس مفاجئا أن تقوم إسرائيل بذلك فهي عدو تقليدي، غير أن المفاجئ أن يقوم الحرس الثوري الإيراني بدك الأراضي السورية بصواريخ باليستية تم إطلاقها من كرمنشاه. أي أن إيران فعلت ما يفعله العدو.
التفسير الإيراني لتلك الضربة غير المسبوقة يبدو متهالكا. فبعد الضربة التي وجهت إلى الحرس الثوري الإيراني في الأحواز اختارت إيران أن تنتقم عن طريق توجيه ضربة إلى مواقع جماعات إرهابية داخل الأراضي السورية. بالنسبة للولايات المتحدة، فإن الحراك الإيراني الجديد لن يضيف إلى ما تعرفه عن إيران شيئا ما دام ذلك الحراك يقع بعيدا عن الإضرار بمصالحها أو بالمصالح الإسرائيلية.
لتفعل إيران ما تشاء داخل الأراضي السورية التي صارت متاحة للجميع. ولكن ما لم تنتبه إيران له في خضم قلقها من تداعيات العقوبات الأميركية أن استعمالها لصواريخها الباليستية الموجهة من داخل أراضيها إنما يعد تأكيدا على الخطر الذي باتت تشكله على أمن المنطقة. وهو ما يستدعي تشديد العقوبات عليها من أجل إجبارها على الخضوع للشروط الإثني عشر التي وضعتها الولايات المتحدة.
ارتكبت إيران الخطأ الذي تنتظره الولايات المتحدة. ذلك الخطأ ضروري لكي تشهر إيران عن نزعتها العدوانية. لكنها هذه المرة تخطت حدود ما هو مسموح به بالنسبة لدولة بحجمها. ما فعلته إيران أنها قصفت أهدافا داخل الأراضي السورية عن بعد، وهو ما دأبت الدول العدوة أن تفعله. الحكومة السورية لم تعترض على القصف الإيراني لأنها تخلت منذ سنوات عن مبدأ السيادة. غير أن إيران قدمت دليلا على أنها ماضية في برنامج أسلحة الدمار الشامل الذي كان سببا في انسحاب الولايات المتحدة من الاتفاق النووي.
وكما يبدو فإن سوريا، قد أصبحت مختبرا للصراعات الدولية. وهو رهان قد تخسره إيران إذا ما قررت الولايات المتحدة أن تمضي في تحجيم الدور الإيراني في المنطقة.