من الصعب توقع اية سياسة واضحة للاميركيين في المنطقة مع الرئيس دونالد ترامب. اولوياته مصالحه، واسلوبه يكمن في انه يضرب ويتقدم ومن ثم يتراجع، او ينقض ثم يتراجع ثم يسير بأي شيء قابل للحياة او ينجح، بحسب مصادر ديبلوماسية بارزة.
وتقول المصادر، ان مصالحه في المنطقة متوافرة، والوضع في الشرق الاوسط لا يشكل خطراً على مصالحه. وسوريا لا تهمه كثيراً، والروس يقولون له ان اكثر ما يؤثر عليه هو الارهاب، وان اعلن الاميركيون اخيراً انهم لن ينسحبوا من سوريا طالما ايران موجودة. اي انهم لم يعودوا يربطون موضوع الانسحاب بإنهاء "داعش".
وسوريا كوضع عام، ليست اولوية لديه، اولويته الحدود مع الجولان، والضمانات الروسية لمحاربة الارهاب. والوجود الايراني في سوريا يبقى وسيلة ضغط لتحقيق خطوط عامة في سياسته التي تريد الحد من النفوذ الايراني في المنطقة وتحجيمه. ويريد الاميركيون خلق منطقة في سوريا، ايران ليست موجودةً فيها، والقوات الاميركية موجودة في دير الزور وهي منطقة نفطية مهمة. وبقية المواضيع حول سوريا، يمكن معالجتها مع الروس. مع الاشارة إلى ان الوجود الاميركي في هذه المنطقة يعني ان هناك دوراً اميركياً يمكن لواشنطن ان تلعبه، وهناك تنسيق غير معلن بينهما، خصوصاً بالنسبة الى ادلب ووضعها.
وثمة اتصالات اميركية - اوروبية - روسية حول الدستور السوري الجديد، بشكل انه يخفف من سلطة الرئاسة، ويركز على السلطة في مجلسي النواب والوزراء، فيكون توافر مخرج لمسألة انهاء النظام او ابقائه. بحيث يكون النظام السياسي ككل نظاماً جديداً لحل مقبول من كل الاطراف.
الدول العربية في هذه الاثناء، تبدي وفقاً لمصادر واسعة الاطلاع، انزعاجاً من فكرة انه يتم العمل لحلول في سوريا، والعرب بعيدون عنها، وانهم ليسوا معنيين بها. وهم طرحوا تساؤلات في اجتماع عربي موسع عقد اخيراً، حول اسباب حصول ذلك بمعزل عن العرب، وهو يأتي على سبيل استنتاج، مع الاشارة الى انه لم تظهر رغبة بالدخول فعلياً على خط هذه الحلول، بل ظهرت مشاعر في هذا الاطار.
وفي انتظار الحلول النهائية للوضع السوري ولملفات المنطقة العالقة مثل ملفي اليمن والعراق، ليس للبنان دوراً اساسياً يؤديه في الموضوع الاقليمي. وبالتأكيد لبنان يستمر في استقراره السياسي والاقتصادي في مرحلة لا يشكل فيها اولويات دولية. ويقول مسؤولون دوليون، ان لدى لبنان مطاراً مهماً ومرفأين مهمين، وطريقاً برية تربطه بالعاصمة السورية ونظاماً مصرفياً ممتازاً، وجالية في الخارج فاعلة ونشيطة. وكل ذلك مع الاستقرار يجعله يمرر هذه المرحلة الاقليمية والدولية الدقيقة. ومع الحياد الذي يتبعه، يحمي لبنان نفسه، مع الاشارة الى ان النأي بالنفس يدعم هذا الاستقرار، وان هذه العبارة لطالما كانت متبعة في لبنان، واول من اعتمدها، كان البيان الوزاري للحكومة الاولى التي شكلها رياض الصلح.
عدم وضوح الاستراتيجية الاميركية في المنطقة، باستثناء الموقف من ايران، ينعكس على ملفات المنطقة ومن بينها الوضع اللبناني. اذ ليس فقط القانون الانتخابي هو الذي يؤثر انعداماً للتوازن، انما ايضاً غياب الضغط الاميركي الفاعل، بحيث تتصاعد مواقف الافرقاء الداخليين القريبين من المحور الايراني - السوري.
ان ما تقوم به واشنطن، بحسب المصادر، هو بداية في مسار الحد من النفوذ الايراني في المنطقة. وان العقوبات والتشدد في فرض المزيد منها خلال تشرين الثاني المقبل سيؤثران فعلياً في هذا النفوذ، لكن التأثير ليس اتوماتيكياً ويلزمه وقت. فضلاً عن ذلك كيف ستكون ردة الفعل الايرانية حول ذلك على الارض في ملفات المنطقة؟ وهل ستعرقل ايران الخطة الغربية حول سوريا باضعاف النظام عبر اضعاف سلطات الرئيس في سوريا، وتحويل السلطة الحقيقية الى مجلسي النواب والوزراء؟ مع الاشارة الى ان ايران لجأت في الايام الاخيرة الى القصف في كل من سوريا والعراق وهذا يمثل مؤشراً يتخوف المراقبون من ان تتبعه على الارض.