توحي المواقف الفرنسية الجديدة حيال تجميد حسابات الاستخبارات الايرانية، وآخرها تأكيد مسؤول فرنسي أن "الاستخبارات الايرانية هي التي أمرت بتنفيذ اعتداء في مدينة فيلبنت الفرنسية"، أن الضغط سيتصاعد تجاه إيران، وأن سياسة باريس تتقارب مع سياسة واشنطن حيال التعاطي مع طهران والعقوبات التي ستفرض عليها. فقد قررت فرنسا عدم ارسال سفيرها إلى العاصمة الايرانية. ما يوحي بأن الضغط سيزداد. وكانت باريس تحاول الاضطلاع بدور تسووي بين واشنطن وطهران، لكن تمسك الأخيرة ببرنامجها للصواريخ البالستية أجهض أكثر من محاولة فرنسية، على الرغم من أن باريس مصرّة على ضرورة استمرار الاتفاق النووي والعودة إليه. وهي أحدى أكبر الدول المتحمسة لدخول السوق الايرانية وكانت السباقة في إرسال الشركات إلى هناك.
أدى الضغط الأميركي على الأوروبيين نتائجه. وحتى الآن كل الأجواء تشير إلى أن العقوبات على إيران ستكون قاسية وجدّية، وإذا ما استمرت بالمنحى الذي تسير فيه، فهذا يعني أن ايران ستواجه مصيراً صعباً ولا بد أن لديها خططاً للرد على هذه العقوبات والإجراءات. ووسط هذه الأجواء، يأتي التصعيد الإسرائيلي تجاه لبنان دولة وشعباً في إطار الضغط على حزب الله واتهامه بتخزين الصواريخ في مناطق سكنية. ما يعني أن الرسائل تتعاظم تجاه الحزب الذي يعتبر الحليف الأبرز لايران والأكثر قوة وتقدّماً وانتشاراً.
وفق شخصية بارزة، فإن الأجواء في المنطقة توحي وكأن الأمور على شفير حرب. وهذه الحرب بدأت بمعالم اقتصادية وليس بالضرورة أن تكون عسكرية، لكن أيضاً ليس بالضرورة أن تبقى محصورة في الإطار الاقتصادي، لأن أي خطأ في الحسابات، او أي ردّ فعل قد يؤدي إلى انفلات الأمور من عقالها والدخول في مواجهة مفتوحة غير محسوبة النتائج والتداعيات. وتعتبر هذه الشخصية، التي لديها نظرة تشاؤمية حيال الوضع الحالي وتداعيات أي مواجهة مرتقبة، أن أي مواجهة عسكرية لن تؤدي إلى خسارة ايران وحزب الله، بل سينتصران فيها. ونتائج هذا الانتصار ستتكرس في السياسة، من العراق إلى اليمن مروراً بسوريا ولبنان. لربما الحرب الاقتصادية أفضل لخصوم ايران وحزب الله لأن النهاية ستكون للوصول إلى توافق أميركي إسرائيلي ايراني، او إلى تسوية معينة، سواء أكان بمعركة اقتصادية أو عسكرية. لذلك، الأفضل تجنيب البلدان الصغيرة الحروب كي يبقى أهلها فيها.
مرحلة الترقّب والانتظار، تفرض على الجميع الحفاظ على الستاتيكو القائم في البلد، بصيغة لا غالب ولا مغلوب. لذلك، يبدو حزب الله متمسكاً بالتسوية الرئاسية، ومبدأ حكومة الوحدة الوطنية، والعلاقة مع كل القوى. وهذا ما يدفع البعض إلى اعتبار أن حزب الله سيسعى لإنجاز تشكيل الحكومة قبل نهاية هذا الشهر، على أن تكون الحكومة الجديدة مواكبة للعقوبات والإجراءات التي ستفرض على ايران وسيتأثر الحزب فيها بشكل مباشر في الرابع من تشرين الثاني المقبل. وأكثر، يعتبر هؤلاء أن الحزب من أشد المتمسكين حالياً باتفاق الطائف، ولكن بعد مرور هذه العاصفة، وإذا ما أعيد التوافق الأميركي الايراني، وهذا مرجّح بعد طول عناء وعناد، سيصبح في الامكان الحديث عن تغيير جوهري في بنية النظام، سواء أكان من الناحية الدستورية أو من ناحية الوجهة السياسية.
في مقابل وجهة النظر التشاؤمية هذه، هناك من يستبعد حصول أي معركة او مواجهة في المرحلة المقبلة، خصوصاً أن في لبنان أكثر من مليون لاجئ سوري، ولا قدرة لأي دولة على تحمّل إشعال فتيل حرب مفتوحة تدفع اللاجئين إلى مغادرته كما ستهجّر عشرات الآلاف من اللبنانيين. وهذا يتلاقى مع رؤية دولية حافظة للاستقرار وحريصة على عدم إشعال الجبهة اللبنانية تحت أي ذريعة ولأي سبب كان.