على وقع الخطوات والتحركات الجارية في مواجهة التهديدات الاسرائيلية، راجت في الساعات الماضية وضمن حلقة ضيقة جداً، أجواء تشي ببداية حلحلة حكومية، حتى انّ مصادر مطّلعة على هذه الاجواء كشفت لـ«الجمهورية» انّ العقدة «القواتية» قد قطعت اشواطاً كبيرة على طريق الحل، وذهبت الى القول «إنّ الحل قريب جداً وانّ الاتفاق بات على باب قوسين او أدنى». لكنها لم تقلل من حجم التعقيدات الأخرى، مشيرة الى انّ العمل جار لإزالتها.
واستطلعت «الجمهورية» معطيات مرجعيات معنية بالملف الحكومي، فأجمعت هذه المرجعيات على تأكيد وجود حلحلة، لكنّ مواقفها تفاوتت إزاء تحديد مدة زمنية لولادة الحكومة. ففي حين رجّح بعضها ان تكون هذه الولادة في غضون اسبوعين على أبعد تقدير اذا ما سارت الامور على ما هي عليه الآن، إستبعد بعضها الآخر أي ولادة حكومية قريبة وأكدوا «انّ الامور لم تنضج بعد لتأليف حكومة لبنان».
بري
وقال رئيس مجلس النواب نبيه بري امام زواره أمس «انّ بعض الخارج يبدو قلقاً على لبنان، ومهتماً بتشكيل حكومته أكثر من بعض القوى اللبنانية». وكشف بري انه سمع من زواره الاجانب أخيراً «نبرة غير مرتاحة الى وضعنا وهم يحضّوننا على معالجته قبل تفاقمه واستفحاله، فيما نحن غارقون في تجاذبات وخلافات حول الحصص والاحجام».
وكشف بري انّ وفد البنك الدولي الذي زاره أمس عرض معه لحساسية الواقع الاقتصادي في لبنان، وصارَحه بوجود وقائع ومؤشرات سلبية تدعو الى القلق، «وهم عرضوا لي بالارقام تداعيات ملف الكهرباء وغيره من مكامن النزف، كما انّ وزيرة الشؤون الخارجية النمساوية بَدت خلال لقائي معها مهتمة بأوضاعنا وبما يمكن ان تؤول إليه حالنا».
وذكر بري انه قال لآرون غاندي حفيد المهاتما غاندي خلال لقائه به: «نحن في لبنان نحتاج الى اعتماد اللاعنف في تشكيل الحكومة».
«التيار الحر»
ومن جهتها مصادر «التيار الوطني الحر» قالت لـ«الجمهورية» انّ «ملف تأليف الحكومة لم يشهد أي تقدّم في الأيام الماضية»، مشددة على أنّ «الكرة لا تزال في ملعب رئيس الحكومة المكلف سعد الحريري، إذ عليه أن يبادر الى تقديم تشكيلة جديدة بناء على نقاشات الأروقة التي حدثت بعد عودة رئيس الجمهورية ميشال عون من نيويورك».
وفي موقف لافت قالت المصادر نفسها انّ «على الحريري مجدداً أن يقول لنا ما هو المعيار الذي سيعتمده في التوزيعة الحكومية وما هي حصتنا، لأنّ المعيار غير الموحّد سيدفعنا الى البقاء خارج الحكومة، وليحكموا لوحدهم».
وأكدت أنّ «التعطيل ليس من جانبنا، بل من جانب من لديه حسابات خاصة»، مكررة التذكير بأنه «حسب نتائج الانتخابات النيابية لا يحق للنائب السابق وليد جنبلاط احتكار التمثيل الدرزي، أمّا رئيس حزب «القوات اللبنانية» فحجمه 3 وزراء فقط، ولا يستطيع أن «يربّحنا جميلة» بأنه تنازل وقبل بـ4 وزراء».
وأشارت المصادر الى «أنها المرة الأولى التي لا ندخل فيها أثناء تركيبة الحكومات على خط فرض الشروط، بل ننتظر أن يعرض الرئيس المكلف علينا ما لديه ويتصرف رئيس الجمهورية بما يمليه عليه الدستور»، لافتة في الوقت عينه الى انّ «جعجع يحاول فعلاً دفع الحريري الى استئناف جلسات مجلس الوزراء من باب الضغط وتمديد أمد الأزمة. لكنّ هذا الأمر، إن حصل، نعتبره هرطقة دستورية وغير دستوري، ولا يحظى بموافقة معظم القوى السياسية».
واعتبرت انّ «كل ما يحدث هدفه نسف نتائج الانتخابات النيابية ومحاولة تأليف حكومة شبيهة بالقائمة حالياً».
«الاشتراكي»
ولم تر مصادر «الحزب التقدمي الإشتراكي»، عبر «الجمهورية»، فرصاً جدية لنجاح طرح حكومة الأكثرية، مشيرة إلى «أنّ الرئيس المكلف نفسه يقول إنه لا يسير في هذا الطرح، وذلك قبل أن نبدي نحن رأينا به».
ولفتت «إلى أنّ من يطرحون تأليف حكومة أكثرية اليوم هم أنفسهم من اعترضوا عليه في السابق، وقد تعطّل التأليف آنذاك تحت هذا العنوان، عنوان الشراكة، فلنحافظ إذاً على الشراكة».
وجددت المصادر تأكيدها «أنها ليست المسؤولة عن توليد العقدة الدرزية، إنما هذه العقدة تولّدت عندما أصرّت قوى سياسية على تجاوز نتائج الانتخابات، ونحن اعتبرنا أنّ النتائج تعطينا تمثيلاً درزياً كاملاً ورسمنا موقفاً سياسياً واضحاً في هذا الموضوع، والكلام الأخير لرئيس الحزب وليد جنبلاط فيه الكثير من المسؤولية الوطنية، إذ هو يعتبر أنّ الجميع مدعوون في النهاية بنحو أو آخر، إلى إيجاد حل للأزمة الحكومية مع استحالة الاستمرار على هذا المنوال من المراوحة، خصوصاً مع تنامي التهديدات الإسرائيلية وتصاعد المخاطر الإقتصادية والمالية، وهو لا يتعاطى بأسلوب تعطيلي على عكس أطراف سياسية أخرى بل يقول: «إذا كانت هناك من خيارات أو اقتراحات محددة يمكن أن تتقدّم بها الجهات المعنية بالتأليف عندها ندرس الموضوع لكي نخرج من الازمة.
لكن لا طرح بعد تبلور بنحو يجعلنا نقول إننا جاهزون لنخطو أي خطوة. لكن على الاقل أرسل جنبلاط على طريقته إشارة الى اننا نتحدث في الموضوع لكي لا نظل ندور في الحلقة المفرغة نفسها».
إتصالات
وكانت رصدت في الساعات الأخيرة حركة اتصالات محدودة جداً وبعيداً من الأضواء، شارك فيها رئيس «التيار الوطني الحر» الوزير جبران باسيل والوزير غطاس خوري مستشار الحريري، تناولت ما آلت اليه المشاورات التي أجراها الرئيس المكلف نهاية الأسبوع الماضي وشملت رئيس حزب «القوات اللبنانية» سمير جعجع وموفد رئيس «الحزب التقدمي الإشتراكي» النائب وائل ابو فاعور.
ووصفت مصادر وزارية قريبة من قصر بعبدا لـ«الجمهورية» هذه الإتصالات بأنها «خجولة»، متوقعة «أن تؤدي حتماً الى تحريك المناقشات الجارية في شأن تفكيك بعض العقد التي تعوق تأليف الحكومة». وقالت: «من المفضّل انتظار نتائج هذا الحراك، فإن تطورت المناقشات وتوسّعت لا بد ان تصل الى مرحلة متقدمة، فالبلد لا يمكنه الإستمرار على ما هو عليه، والحكومة آتية في النتيجة ويجب السعي بكل الوسائل لتحقيق هذه الغاية».
تزامناً، قالت مصادر «بيت الوسط» لـ«الجمهورية» انّ «حركة الإتصالات لم تتوقف يوماً، لكنها لم تحقق بعد أي خرق. ويمكن القول انّ معظم المساعي التي بذلت الى الآن لم تنتج أي مخرج».
وعن زيارة الوزير علي حسن خليل للرئيس المكلف، قالت هذه المصادر انه ناقش مع الحريري قضايا متصلة بملفات وزارة المال وبعض الإجراءات المتخذة في الوزارة تماشياً مع مرحلة تصريف الأعمال. كذلك عَرضَا لنتائج الاتصالات الجارية في شأن تأليف الحكومة والأجواء السائدة في عين التينة و»بيت الوسط»، إذ انّ خطوط التشاور مفتوحة بينهما وهما يتعاونان على تذليل العقبات امام مهمة التأليف.
وعن زيارة الوزير نهاد المسنوق لمعراب، اوضحت مصادر «بيت الوسط» انها «زيارة عادية، وبالتأكيد لا علاقة لها بالمساعي الحكومية وانّ الربط بينها وبين المساعي المفتوحة بين «بيت الوسط» ومعراب ليس في محله على الإطلاق».
«المستقبل»
في سياق متصل، اعتبرت كتلة «المستقبل»، التي اجتمعت أمس برئاسة الحريري، أنّ «العودة الى سياسة رفع سقوف المطالب الوزارية وطرح معادلات جديدة للتأليف، واعتبار التشكيلة الحكومية صندوق هدايا، نُهدي منه من نشاء ونحجب الهدايا عمّن نشاء، يعكس وجود إرادات لا تستعجل تأليف الحكومة، وإغراق البلاد في تجربة جديدة من تجارب تعطيل المؤسسات وتعليق العمل بالموجبات الدستورية».
ودعت الى «تسهيل مهمة الرئيس المكلف للخروج من حلقة المعايير والمعايير المضادة، والتزام حدود المصلحة العامة والتنازلات المتبادلة التي توجبها التحديات الداخلية والخارجية».
واشارت الى انّ الحريري «يراهن قولاً وفعلاً على إعادة تفعيل دورة الاتصالات والتزام السعي المتواصل لتأليف حكومة وفاق وطني، يتضامن أطرافها على التصدي لكل الاستحقاقات والمخاطر الماثلة».
تطمينات نقدية
وفيما يستحوذ الوضع المالي والاقتصادي على اهتمام المسؤولين ومتابعتهم، انطلاقاً من دقة الموقف والقلق حيال ما قد تشهده الايام المقبلة، برزت امس مواقف متقاطعة لكل من حاكم مصرف لبنان رياض سلامة ورئيس جمعية مصارف لبنان جوزف طربيه، أجمعَت على التطمين الى سلامة وضع الليرة واستقرارها.
وقد جاءت تطمينات سلامة عقب زيارته رئيس الجمهورية، فيما أطلق طربيه تطميناته بعد زيارته الحريري في «بيت الوسط». واعتبر سلامة انّ «استقرار الليرة اللبنانية هو عنوان للثقة ووسيلة للمحافظة على الاستقرار الاجتماعي»، مؤكداً أنّ «مصرف لبنان قادر على المحافظة عليها».
التهديدات الاسرائيلية
من جهة ثانية ظلّت أخطار الحملة الاسرائيلية التحريضية والمزاعم بوجود قواعد عسكرية وصواريخ في محيط مطار بيروت، وحملة الديبلوماسية اللبنانية ضدها في صدارة المشهد السياسي. فيما واصلت اسرائيل تهديداتها، وأكد وزير دفاعها أفيغدور ليبرمان، لصحيفة «يديعوت أحرونوت»، انّ الجيش الإسرائيلي «بات أكثر استعداداً منذ عام 1967 لأيّ حرب».
وفي حديث لـ«هيئة البث الإسرائيلية»، قال ليبرمان إنّ اسرائيل «تمتلك معلومات عن مصانع إيرانية للصواريخ وأخرى تابعة لـ«حزب الله» في لبنان».
وأشار الى أنّ هذه المعلومات إضافية، عن تلك التي تحدَّث عنها رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو في خطابه أمام الجمعية العمومية للأمم المتحدة الأسبوع الماضي. وقال ليبرمان في إشارة إلى المعلومات الجديدة: «سنكشف عنها في وقت لاحق».
عون
في هذا الوقت، اعتبر رئيس الجمهورية العماد ميشال عون أنّ ادعاءات نتنياهو عن وجود قواعد عسكرية وصواريخ في محيط مطار بيروت الدولي «لا أساس لها من الصحة، لكنها تخفي تهديداً إسرائيلياً جديداً للسيادة اللبنانية واستهدافاً لمطارنا الدولي».
ودعا دول العالم إلى «التنبّه لِما تخطط له إسرائيل تجاه لبنان، خصوصاً أنها تواصل انتهاكاتها للقرارات الدولية، لاسيما منها القرار 1701». وأعلن «أنّ لبنان سيواجه اي اعتداء إسرائيلي ضد سيادته».
طبّارة
واعتبر سفير لبنان في واشنطن سابقاً رياض طبارة، انّ خطاب نتنياهو امام الأمم المتحدة الذي هاجم فيه إيران بشراسة، وادّعى أنّ لـ«حزب الله» مراكز صاروخية قرب مطار رفيق الحريري «أعطى الضوء الأخضر للمتطرفين في حكومته لرفع مستوى التهديدات ضد «حزب الله» في لبنان».
وقال طبّارة لـ«الجمهورية»: «طبول الحرب التي يقرعها الإسرائيليون لا تبدو محتملة بمقدار كبير، على رغم من أنّ الوقاية تبقى أفضل من العلاج».
واضاف: «ما زال اللبنانيون يتذكرون الخطابات والتصريحات النارية التي أطلقها الرسميون الإسرائيليون في كانون الثاني الماضي، والتهديدات المماثلة بتحميل لبنان كله وحكومته مسؤولية أي حرب قد تنجم من الاستفزازات اللبنانية، وخصوصاً تلك الصادرة عن «حزب الله». في حينه لم ينجم أي شيء عن هذه التهديدات وهدأت بعدها الأمور حتى الآن».
ورأى طبارة انّ «إسرائيل منزعجة جداً ممّا آلت إليه علاقتها مع روسيا التي تؤدي دوراً رئيساً في سوريا، خصوصاً عندما أخذت روسيا جهة سوريا في حادث إسقاط طائرة إليوشن 26 الاستطلاعية في سوريا بنيران الصواريخ السورية، وهي تشعر أنّ إيران تضيّق الخناق حولها على حد تعبير ليبرمان أخيراً. لكن هذا لا يعني أنها ستقوم بمغامرة عسكرية بسب وجود صواريخ في حوزة «حزب الله» في لبنان. فإسرائيل تعلم بوجود هذه الصواريخ، و«حزب الله» يفاخر علناً باقتنائه صواريخ متطورة وفي غاية الدقة. كذلك انّ حرباً كهذه لن تكون بمثابة نزهة لها على رغم الخراب الكبير الذي تسبّبه في لبنان. والأهم من كل هذا هو أنّ إسرائيل تحتاج الى ضوء أخضر من الولايات المتحدة للقيام بمثل هذه العملية غير المحسوبة، وهذا الضوء غير متوافر اليوم أو في المستقبل المنظور».
«سيدة الجبل»
من جهة ثانية أرجأ «لقاء سيدة الجبل» خلوته بسبب إلغاء إدارة فندق «البريستول» الحجز، وقال اللقاء في بيان انّ «هذه الحادثة ليست إلّا واحدة من حوادث عدّة يتحمّل مسؤوليّتها نظام أمني متجدّد حَلّ مكان النظام الأمني اللبناني ـ السوري القديم، وتحت عنوان: «لا صوت يعلو فوق صوت «التسوية» وصوت الممانعة والسلاح». وأكد البيان «انّ معركة الحريات في لبنان قد فُتحت مجدداً.
ماتيس
إقليميًّا، أعلن وزير الدفاع الاميركي جيم ماتيس، أمس، أنّ التحالف العسكري الذي تقوده الولايات المتحدة لقتال تنظيم «داعش» المتطرف يواجه قتالاً صعباً لإخراجه من آخر معاقله في سوريا.
وحذّر ماتيس من أنّ القضاء الكامل على التنظيم سيستغرق بعض الوقت، مضيفا: «سننجح ولكن ذلك سيستغرق بعض الوقت».