في الجزائر يُطلقون على الرئيس عبد العزيز بوتفليقة لقب «المومياء»، لأنه يحكم الجزائر من كرسيه المتحرك، منذ إصابته بجلطة دماغية عام 2015، عولج على أثرها في باريس، حيث بقي في المستشفى ثمانين يوماً. لم يمنعه عجزه من أن يحكم الجزائر إلى درجة التلاعب بالجميع لمصلحته، وهو الذي يُقال عنه إنه «لا يطيق التعايش مع أي مسؤول». هذه المقدرة على حكم «بلد المليون شهيد» لم تأتِ من فراغ، فقد تولى مناصب عسكرية عدة في جبهة التحرير التي أنجبت الجيش الجزائري، كما كان أصغر وزير في أول وزارة بعد الاستقلال، ومن ثم تولّى وزارة الخارجية حتى وفاة الرئيس بومدين ومغادرته البلاد عام 1981، ولم يعد سوى في العام 1987، أي على مشارف نهاية «العشرية السوداء» التي أغرقت الجزائر في بحر من الدماء، وقدّم نفسه قبل الانتخابات الرئاسية التي انسحب المرشحون المنافسون له بشعار: «جئتكم رسول حب وسلام»، وشكل ذلك المقدمة للمصالحة ووضع «ميثاق السلم والمصالحة». وكان قبل أن يُسمّى وزيراً قد تولى مناصب عسكرية وحزبية، فامتلك كما يقال معرفة كاملة بتركيبة جبهة التحرير والجيش الجزائري ابن «جبهة التحرير الجزائرية».
الآن الجزائر على موعد مع الانتخابات الرئاسية في 17 نيسان 2019. والسؤال الذي يشغل بال الجزائريين أولاً هل يترشح الرئيس بوتفليقة لولاية رئاسية خامسة؟ وهل هو فعلاً قادر على إدارة البلاد من كرسيه المتحرك كما يجب وخصوصاً في هذه المرحلة المليئة بالأحداث والتطورات الإقليمية والدولية؟. المعارضون للتجديد ولـ «البوتفليقية» أصلاً، وصلوا في معارضتهم إلى حدّ التظاهر وبعضهم يرتدي «حفاض» الأطفال.
في خضم النقاشات حول التجديد أو عدمه، وقعت عملية تهريب الكوكايين. رغم ضخامة الكمية وهي 705 كلغ، كان يمكن حصر مفاعيلها لولا توالي الصدف والفضائح. تبيّن أولاً أن شخصاً يُعرف باسم كمال «البوشيه» أي اللحام بالفرنسية، هو محمّل الكوكايين في سفينته للّحوم المستوردة، وأن هذا «اللحام» المليونير تربطه علاقات لا تحصى مع كل النافذين في الجيش والدرك والسياسيين. أُقيل أولاً المدير العام للشرطة. وتوالت التحقيقات وتبين أن هذا «اللحام» شبه الأمّي حوّل مكتبه إلى «مغارة» يسجّل فيها بالصوت والصورة جميع مقابلاته مع العسكريين والمدنيين ويتسلّى أحياناً بمشاهدتها. أُقيل بعد ذلك مسؤول المالية في وزارة الدفاع بوجمعة بو دواور ومقداد بن زيان مدير المستخدمين في الوزارة نفسها.. وبعدها حصل ما لم يتوقعه أحد وهو أن تدحرجت «كرة النار» وأطاحت بعشرة من الجنرالات أبرزهم:
* مناد نوية قائد الدرك الوطني.
* سعيد باي قائد الناحية الثانية التي تضم مدينة وهران.
* عبد الرزاق شريف قائد الناحية الرابعة.
* حبيب شنتوف قائد الولاية اأاولى وهي الأهم لأنها تضم العاصمة الجزائر.
* قائد أركان القوات الجوية عبد القادر الوناس.
* قائد القوات البرية أحسن طافر.
الجزائر ومنذ الاستقلال وبعد وفاة الرئيس بومدين كان «جنرالات الجيش هم الذين يقيلون لا أن يقالوا» لذلك فإن هذه الإقالات شكّلت زلزالاً ضخماً، لكنه في الواقع كان زلزالاً ارتدادياً لزلزال سابق ومهم وهو الذي أطاح فيه الرئيس بوتفليقة الجنرال الذي لم يكن الجزائريون يجرؤون على قول اسمه ويشيرون إليه بـ «هو». في العام 2015 أقال بوتفليقة الجنرال «مدين» مسؤول جهاز الأمن الذي لم تعرف له صورة طوال ثلاثة عقود، ومعه عشرات الضباط واتبع ذلك بحلّ جهاز دائرة الاستعلام والأمن (كان الجزائريون يطلقون عليها اسم ss تيمناً بالغستابو النازي) وألحق به البديل باسم «دائرة الشؤون الأمنية» برئاسة جنرال متقاعد هو اللواء عثمان طرطاق.
المؤيدون لبوتفليقة يقولون إن هدفه الكبير هو جعل الجيش الذي يتدخل ويقرر في السياسة والاقتصاد «جيشاً أكثر مهنية وبعيداً عن السياسة». أما المعارضون لترشحه لولاية خامسة فيقولون إنه يريد «تخويف العسكريين والمدنيين»، ولذلك أكمل إقالات الجيش بإقالة رئيس البرلمان سعيد بو حجة، وحتى لا يظهر بأنه يتجاوز مبدأ فصل السلطات قدم 300 نائب من أصل 462 نائباً لائحة «تعيب عليه عدم احترام قرارات رئيس الجمهورية ولذلك قرروا مقاطعته نهائياً»... والخلاصة «لا أمل في حدوث تغيير في المستقبل».
وضع الجزائر صعب ومعلّق خصوصاً أن التطورات تشير إلى اقتراب النار الخارجية إلى الداخل في وقت كل شيء في هذا الداخل غامض..