تتزايد زيارات الوفود اللبنانية إلى سوريا. عدإضافة إلى الزيارات الرسمية، هناك زيارات سياسية يجريها حلفاء النظام، الذين يذهبون لشكوى همومهم الوزارية في مرحلة تشكيل الحكومة الجديدة. تندرج هذه الزيارات في خانة تقديم صورة بأن النظام يتجاوز جراحه. وقد دخل في مرحلة التقاط الأنفاس، عينه لا تفارق لبنان. يلمس كثيرون تدخلاً سورياً في مسألة تشكيل الحكومة، إن ببعض الشروط التي تفرض أو بالإصرار على توزير بعض الشخصيات، وخصوصاً النائب طلال ارسلان. بعض من التقى رئيس النظام السوري بشار الأسد في الفترة الأخيرة، ينقل عنه قوله إنه تجاوز المحنة، ولن ينسى من كان جزءاً مما يسميها المؤامرة عليه وعلى نظامه. وكأن في الكلام تهديداً بالانتقام.
يرتّب النظام السوري أولوياته. الأهمية الآن لارساء التفاهمات الميدانية، ويتحدث عن عدم صمود الاتفاق التركي الروسي في شأن إدلب، وأن موسكو ستدفع أنقرة إلى القبول بدخول قوات النظام إلى المناطق العازلة، او بعض النقاط المتقدمة. وبعد تحقيق ذلك سيكون لكل حادث حديث في السياسة وفي عملية إعادة الاعمار. يحاول النظام إظهار نفسه مقرراً في مجريات الأمور في سوريا، او على الأقل شريكاً فيها. يتحدث الأسد بثقة عن كيفية توزيع حصص إعادة الاعمار، كمنح قطاع الكهرباء للإيرانيين مثلاً، بالإضافة إلى مناطق جغرافية يحددها هو. ويتفاهم مع الروس بشأن خططهم وبرامجهم.
أمام من يلتقيه من اللبنانيين يتقصّد الأسد إثارة موضوع إعادة الاعمار، ليوجّه رسائل عديدة، كان قد بدأ بتوجيهها منذ رهان لبنان على فتح معبر نصيب. في حينها، رفض الأسد استفادة لبنان من المعبر ما لم يتخذ خطوات سياسية رسمية وعلنية تجاهه. وقتها، اشترط تنسيقاً رسمياً بين الحكومتين. كذلك يوجّه رسائل بأن بعض اللبنانيين الطامعين بالمشاركة في عملية إعادة الاعمار لن يشاركوا فيها إذا ما بقيت مواقفهم على ما هي عليه، وإذا لم يقدّموا اعتذارات. يقصد الأسد في هذا الكلام الرئيس سعد الحريري الذي تحدّث أكثر من مرّة عن ارتكاز الاقتصاد اللبناني على إعادة الاعمار، وخصوصاً بالنسبة إلى طرابلس. ولكن الأسد يعتبر أن الحريري يراهن على الدور الروسي في هذا المجال، لذلك هو يتبنى بحماسة المبادرة الروسية لإعادة اللاجئين، التي أوقفها الأوروبيون لاعتبارهم أنها تخلّ في جوانب أساسية من حقوق اللاجئين وتوفير الأمن والأمان لهم.
وينقل بعض هؤلاء ما سمعوه في دمشق، من أن الحريري وجهاد العرب، كانا قد أسسا شركة في دولة أجنبية وباسم أجنبي مع أحد رجال الأعمال السوريين الكبار، بهدف المشاركة في عملية إعادة الاعمار، وعندما اكتشف النظام الأمر، توجه إلى رجل الأعمال هذا بتحذير شديد بأنه لن يكون للحريري أي طريق إلى إعادة الاعمار، من خلال مناوراته هذه. فهم السامعون أن الأسد يضع شروطه على اللبنانيين الطامعين في إعادة الاعمار. بمعنى أن الطريق لن تكون مقفلة نهائياً، ولكن هناك دفتر شروط سياسي عليهم الإلتزام به.
وقد حاول الوفد فتح مواضيع سياسية داخلية متعددة، أبرزها مسألة تشكيل الحكومة، وهم طالبو النظام الذي يعتبرون أنه يتعافى ويستعيد أنفاسه بتوفير الحماية لهم، وتحصين مواقعهم وتعزيزها. وقد لاقى ذلك تجاوباً لدى النظام. وإذ سمع الأسد شكاوي حلفائه، أكد أنه لن ينسى لبنان. واعتبر أمامهم أن كل شيء سيكون بحسابه، مؤكداً أن ما تحقق في لبنان منذ سنتين إلى اليوم هو أمر أكثر من إيجابي بالنسبة إلى "سوريا الأسد"، خصوصاً في ظل وجود حليف موثوق ويتمتع بشعبية واسعة في قصر بعبدا اسمه الرئيس ميشال عون. ويمكن الرهان عليه لإعادة تعزيز العلاقات، خصوصاً أن عون يمثّل أفضل الحلفاء الاستراتيجيين بالنسبة إلى دمشق، لما لديه من مدّ شعبي مسيحي. أما الأفرقاء الآخرون، فحسابهم آت، وفق ما سمع الوفد اللبناني، الذي اشتكى كيفية تآمر بعض اللبنانيين على سوريا طوال السنوات الفائتة، فتقصّد الأسد توجيه رسائل التهديد.