بنيامين نتانياهو يكذب؟ بالتأكيد. «حزب الله» يخبّىء أسلحة؟ بالتأكيد أيضاً.
بين هذين الاحتمالين الكبيرين والخطيرين، يعيش اللبنانيّون ويداورون مخاوفهم: هل تضرب إسرائيل ومتى تضرب وأين؟ والعيش على إيقاع السؤال هذا، والذي يطرحه أيضاً من يقولون إنّ «زمن الهزائم قد ولّى»، أمر مُهين للّبنانيّين فضلاً عن أنّه مُقلق. ما يضاعف إهانته هذا العجز عن التدخّل فيه، دعْ جانباً محاولة تفاديه. كلّ ما يستطيعه اللبنانيّون هو أن يسألوا وينتظروا. غير ذلك ممّا قد يخالف إرادة «حزب الله» هو تآمر وعمالة للعدوّ الصهيونيّ!
بالطبع، ما من عاقل يمكنه الجزم بأنّ الإسرائيليّين سوف يضربون. لكنْ ما من عاقل يستطيع الجزم بأنّهم لن يضربوا. والحال أنّ من يتوقّعون ضربة موجعة لا يُعدَمون الحجج: فهناك اليوم حملة متّصلة أميركيّة – إسرائيليّة على إيران كانت الأمم المتّحدة، قبل أيّام، أحد مسارحها الكثيرة. ثمّ إنّ الدفعة الجديدة من العقوبات الأميركيّة في طريقها، وحيالها يتراوح الأوروبيّون والروس بين العجز والإحراج. فوق هذا، لم تعرف الولايات المتّحدة في تاريخها منذ 1948، إدارة منحازة لإسرائيل كإدارة دونالد ترامب، والتي إذا تدخّلت تدخّلت طلباً لمزيد من التشدّد. وإيران، في حال الهجوم على فصيلها اللبنانيّ المتقدّم، «حزب الله»، أضعف من أن تردّ بما يتجاوز بعض الاستعراض الإرهابيّ هنا أو هناك: لا وضعها الاقتصاديّ المتداعي يسمح بذلك، ولا عزلتها السياسيّة في المنطقة. أمّا روسيا فيُستبعَد أن يمتدّ تورّطها في الشأن السوريّ، حيث لها جنود وقواعد، إلى لبنان. وربّما جاز القول إنّ إضعاف الموقع الإيرانيّ، من خلال «حزب الله»، يسهّل على الروس سيطرتهم على الوضع السوريّ، أو ما يتوهّمونه كذلك. والقرائن باتت كثيرة على أنّ استراتيجيّة جمع النقائض – التركيّة والإيرانيّة والإسرائيليّة – أمر صعب حتّى على روسيا وفلاديمير بوتين.
في داخل إسرائيل، أوضاع نتانياهو وحزبه لا يمكن أن تكون أفضل. إنّه حاليّاً أحد تعابير «النجاح الشعبويّ» في سياسات عالمنا.ثلاثة ملفّات فساد صارت تحتلّ الصفحات الداخليّة للصحف الإسرائيليّة منذ نقل السفارة الأميركيّة إلى القدس. تصدّيه لإيران وضرباته العسكريّة في سوريّة تزيد من شعبيّته. حتّى «هآرتس»، التي مثّلت على الدوام الصوت النقديّ الصارم لتوجّهاته وأعماله، امتدحت خطابه الأخير في الأمم المتّحدة بوصفه «مقنعاً جدّاً». الانتخابات العامّة في العام المقبل يُتوقّع لها أن تكرّس وضعه ووضع ائتلافه هذا. خنقه المنهجيّ للشعب الفلسطينيّ، ولأهل غزّة خصوصاً، لا يترك أيّ أثر محترم على رأي عامّ أصابه الانحطاط.
نحن، في لبنان، كيف نقيّم أوضاعنا في حال الضربة الإسرائيليّة؟ عجز الدولة عن تمييز نفسها عن إرادة الحزب، وصولاً إلى مشاركته السقوط في الهاوية؟ علاقات الطوائف والمذاهب البالغة التردّي؟ العلاقات الدوليّة السيّئة والعلاقات العربيّة الأسوأ؟ الوضع الاقتصاديّ الذي يتيح الصمود؟
الأفضل الصمت والاكتفاء بخطابات الأمين العام
لـ «حزب الله» عن الانتصارات المضمونة والقنابل الدقيقة التي يمتلكها. هنا، في الأقلّ، ننتصر.