شاء البعض، لتبرير الفشل في المساعي الجارية لتأليف الحكومة، ربطه ببعض المعطيات الداخلية والخارجية. فاختلط حابل الأمور بنابلها وتصاعدت لغةُ التخوين والاتّهامات وصولاً الى سيناريوهات الإحراج للإخراج ومحاولات الإلغاء المتبادلة.
قبل عودة رئيس الجمهورية من نيويورك شهدت الأروقة السياسية ولا سيما منها «بيت الوسط»، جولة جديدة من المفاوضات بغية التوصل الى تشكيلة حكومية تحت «سقف ملاحظات بعبدا» في 3 ايلول الماضي. وفيما كان مأمولاً أن تحرّك هذه الإتصالات الورشة الحكومية الجديدة مع عودة الرئيس، فقد ادّى انتشار أنباء رفض رئيسي حزبي «القوات اللبنانية» و«التقدمي الإشتراكي» للصيغة الجديدة قبل هذه العودة، الى ردّ رئيس الجمهورية، في الطريق الى بيروت، بطرح «حكومة أكثرية» إن تعثّرت مساعي تأليف «حكومة الوحدة الوطنية»، وهو ما ادّى الى تجميد المساعي الجارية راهناً، إن لم تعد الى المربّع الأول، في انتظار جديد مفقود يحرّك المياه الحكوميّة الراكدة.
وعند هذه الوقائع، تتبادل المراجع السياسية سيناريوهات عدة أسوأ ما فيها أنها تؤدّي الى انتظار طويل بلا أفق لولادة الحكومة العتيدة. ومنها على سبيل المثال لا الحصر، سيناريوهان متناقضان الى الحدود القصوى وهما:
- سعي رئيس الجمهورية الى تأليف حكومة أكثرية إذا فشلت المساعي لتأليف حكومة الوحدة الوطنية. ولكن هذا الإقتراح، وإن تمّت مواجهته برفض فوري ومعلن من «عين التينة» و«بيت الوسط» ومن مواقع مختلفة، فإنه ليس مضموناً حتى الآن أنّ رئيس الجمهورية قد تراجع عنه، علماً انّ حجم إصراره بات رهناً بلقاء اقترحه مع الرئيس المكلف تشكيل الحكومة، لكنه ما زال قيد الدرس في إنتظار التوقيت المناسب وإحياء حركة الموفدين بين بعبدا و»بيت الوسط» إن لم يحصل لقاء بين رئيس الجمهورية والرئيس المكلف.
- إحياء العمل الحكومي على قاعدة «الضرورة» على غرار «تشريع الضرورة» وهو ما اقترحه رئيس حزب «القوات اللبنانية» من دون أن يرفقه بجدول اعمال أو خريطة طريق على رغم اشارته الى حجم الملفات العالقة التي يمكن أن تقاربها الحكومة في مرحلة تصريف الأعمال.
وفي انتظار ردات الفعل الحاسمة على الإقتراحين، ثمّة رأيين سياسي وقانوني - دستوري يحولان دون تحقيق ايّ منهما الى اليوم:
- الرأي الأول يقول إنّ اللجوء الى حكومات الأكثرية لم يعد ممكناً ولا جائزاً بعد «إتفاق الطائف». فالبلد لا يتحمّل صيغة من هذا النوع ولم يتعوّد قادته بعد المعارضة المنتظمة والمنظّمة. ولم تشهد الحياة السياسية منذ العام 1992 شكلاً من اشكال العلاقات بين المؤسسات الدستورية على هذا النحو من «الديموقراطية المفرطة» كما في الأنظمة المتقدّمة. فلا الحكم في لبنان رئاسي ولا هو حكومي ولا برلماني مذ حلّت «الديموقراطية التوافقية» ضيفاً ثقيلاً على لبنان واللبنانيين في ظلّ «الفيتو الميثاقي» المذهبي والطائفي الذي تحكّم بمحطات عدة من حياة اللبنانيين في العقود الثلاثة الماضية.
- الرأي الثاني القانوني والدستوري يعطل الإقتراح الثاني ويضعه في خانة المستحيلات. فالحكومة باتت محكومة بالحدّ الأدنى من تصريف الأعمال والتي لم تسمح الى اليوم بأيّ خطوة مماثلة تقوم بها الحكومة مجتمعة في الحالات العادية، على رغم من انها اجتمعت في فترات سابقة لمعالجة وضع او حدث طارئ، فاحتُسب لقاءً تشاورياً لم يتّخذ صفة العمل الحكومي العادي في ما لو كانت حكومة كاملة الأوصاف الدستورية.
وما بين هذين الرأيين السياسي والدستوري يتأرجح البلد على كفّ عفريت وسط شلل حكومي تام، يحاذر خلاله رئيس حكومة تصريف الأعمال سعد الحريري الدخول الى مكتبه في السراي، على رغم التسريبات عن احتمال قيامه بهذه الخطوة بين الفينة والأخرى، منعاً لأيّ تفسير لها، فيما يقف عدد من الوزراء عاجزون امام بعض القرارات الصعبة التي تنتظرهم في بعض الملفات المعقدة التي فتحت على مدى 17 شهراً من الولاية الفعلية للحكومة من دون إقفال أيّ منها كما يجب، وإن أُقفِل بعضها فعلى زغل.
والى هذه المعطيات ثمّة مَن عاد الى ضرب المواعيد الجديدة للتأليف، فربط أحدها بسفر رئيس الجمهورية الى يريفان في العاشر من الشهر الجاري للمشاركة في قمة الدول الفرنكوفونية، فيما تناول البعض مواعيد أخرى لسفرات رئيس مجلس النواب الذي ألغى بعضاً منها، فيما لم يتحدث أحد عن برامج الرئيس المكلف الذي يمكن أن يكون له أيّ حراك خارجي بين لحظة وأخرى. عليه، وفي ظلّ فقدان ايّ خيار واضح، على اللبنانيين أن يتابعوا مرغمين الحروب الدونكيشوتية التي تخاض عبر وسائل التواصل الإجتماعي ووسائل الإعلام لإمرار الوقت الضائع. ولكن الى متى؟