منذ أن هيّأت الولايات المتحدة بإدارة جورج بوش الابن، ثم بإدارة باراك أوباما، للنظام الإيراني، مع سبق الإصرار والترصد، كلّ وسائل الراحة والاستجمام في العراق، من جنوبه إلى شماله، ومن شرقه إلى غربه، وفتحت له طريق السياحة الحرة على شواطئ البحر المتوسط والبحر الأحمر، والخليج العربي وخليج عدن، ونحن لا نشبع مما دأبت أميركا على ترديده من تصريحات وبيانات وقرارات تدين إيران، وتدمغها بالإرهاب وبتهديد أمن المنطقة والسلام العالمي وحقوق الإنسان.
قد تكون الولايات المتحدة اليوم، بإدارة دونالد ترامب، نادمة على ذلك، وعازمة، قولا وعملا، على إعادة إيران إلى حجمها الأول، وداخل حدودها، وإجبارها على التخلي عن الأحلام الإمبراطورية التي لا تتحقق في مثل هذا الزمان، ولا في مثل هذا المكان، ولكنها، بالمؤكد، ليست عازمة على مكاسرتها في العراق، بشكل خاص، وذلك لمعرفتها بعدم جدوى ذلك، بعد أن أصبحت لها أظافر وأنياب وجذور وجذوع عراقية عميلة تنوب عنها في القتال. وأكبر الظن أنها تقاتلها خارج العراق لتُضعف سكينها فيه بعد ذلك. وهذا ما يحتاج إلى زمن طويل وممل، وما على العراقيين إلا الصبر والانتظار.
ومن نكد الدنيا على أهل العراق الذي اتخذه المعمّمون في إيران منطقة استراحة وتموين وتمويل أن تصبح دولتهم، برؤسائها ووزرائها ونوابها، وحتى بقضائها، من أملاك السفارة الإيرانية وحدها دون شريك.
ومن يتابع مسرحيات الانتخابات التي تعودنا على حضورها كل أربع سنوات، ويدقق في مفاهمات وصفقات اختيار الرؤساء لا بد أن يدرك أن لإيران مصلحة عليا في أن تهان المقامات، وأن تمرّغ هيبة الرؤساء والوزراء والنواب والسفراء بالتراب، إلى الحد الذي يجعل المواطن العراقي لا يحترم رئيس جمهورية ولا رئيس وزراء ولا رئيس برلمان.
من أقدس الفرائض الإيرانية الخمس في العراق أن لا تَسمح لديمقراطي مستقل وغير طائفي وغير مكفول من الأطراف الدينية الحاكمة، بدخول القصر الجمهوري ومبنى رئاسة الوزراء وقبة البرلمان.
وبعد أن مرّت مسرحية انتخاب محمد الحلبوسي رئيسا للبرلمان مرور الكرام، ولم يغضب على من كتبها وأخرجها ولو عشرةُ عراقيين، جاء دور رئاسة الجمهورية لتكون هي الأخرى مسرحية أكثر رداءة ومرارة. الفائز هو الذي سيستطيع أن يقنع السفير الإيراني وقاسم سليماني بأنه سيكون خير خلف لخير سلف، رئيسا بلا رئاسة. مع أن أخطر إهانة لمنصب رئيس الجمهورية أن جُعل حصة يتقاتل عليها الحزبان الكرديان وما على الشعب العراقي سوى أن يختار، “كاكه س” أم “كاكه ص”.
والشيء بالشيء يذكر. قبل عامين دعي كاكه برهم (برهم صالح) لزيارة طهران، بصفته النائب الثاني لرئيس الاتحاد الديمقراطي الكردستاني، فقط، وفعل. وهناك لقي من الحفاوة والتكريم ما لم يلقـه إلا الرؤساء والملوك. فكان على كاكه برهم صالح، إن كان يحلم بدخول القصر الجمهوري ضمن حصة حزبه الثابتة، أن يقدم الثمن. ثم أعلن وهو في طهران أن “الجمهورية الإسلامية الإيرانية تضطلع بدور هام للغاية في مكافحة الإرهاب”. وأضاف قائلا “إننا نعتبر الجمهورية الإسلامية الإيرانية حليفا استراتيجيا بالنسبة إلينا.”
وقال أيضا “قوات البيشمركة الكردية والقوات العسكرية العراقية والحشد الشعبي في هذا البلد أيضا لديهم دور هام للغاية في محاربة الإرهاب، وفي هذا السياق فإن الدعم الذي تقدمه الجمهورية الإسلامية الإيرانية، على جميع الأصعدة، يحظى بأهمية بالغة، وأن طهران كانت رائدة في مواجهة الإرهاب دوما”.
طبعا، مفهوم جدا أن ما يجعل كاكا برهم وغيره من قادة الإقليم يجاملون إيران وتركيا هو أنهم جميعا مؤمنون بقوة التاريخ والجغرافيا، وبارعون في أصول السياسة.
أما في حالة كاكه فؤاد حسين فإنه قضى شطرا طويلا من حياته مديرا لمكتب رئيس الإقليم، ونتيجة هذا أمران، الأول أنه تخلق بأخلاق الخدم والتابعين، والثاني أن رئيسه في كردستان سيكون، هو أيضا رئيسه في بغداد، ولكن تحت وصاية الأحزاب الشيعية التي تعمّد كاكه مسعود البارزاني مغازلتها طائفيا باختيار مرشح كردي من نفس الطائفة لمقاتلة الحزب الشقيق الذي خانه أيام الاستفتاء على الانفصال.
هذا مع الإقرار بأن برهم صالح هو الأفضل والأكثر عراقية وثقافة وأمانة وخبرة، وقد يستطيع، بحكم دماثته وليونته ولباقته، وبرغم كل القيود المفروضة على الرئيس، أن يفعل ما لا يُطيق فعله سواه.
وفي الختام نكرر القول إن رئيس العراقيين الجديد لن يكون فيصل الأول ولا عبدالكريم قاسم ولا عبدالرحمن عارف ولا حتى صدام حسين، بل سيكون موظفا صغيرا لدى هادي العامري ونوري المالكي وقيس الخزعلي. فهل من معترض؟