إنعقد أخيراً المؤتمر العام الرابع عشر لحركة أمل في ثانوية الشهيد حسن قصير في بيروت ، بعد تأجيله لعدة مرات بسبب ظروف قاهرة كانت متعلّقة بالإنتخابات وإستحقاقات خاصة بالحركة .
ولعلّ هذا المؤتمر هو الأشهر لحركة أمل بسبب التغطية الإعلامية الذي لاحقته قبل وأثناء إنعقاده، وللأدوار الأساسية التي لعبتها " أمل " في السنين الماضية حيث كانت عُرضة للإستهداف الإعلامي والسياسي من قبل عدد كبير من الجهات في طليعتهم التيار الوطني الحر الذي إستطاع إيصال زعيمه إلى قصر بعبدا .
وقد برزت حركة أمل في السنوات الماضية ، وبنسبة أخفّ الحزب التقدمي الإشتراكي وتيار المردة والمستقبل ، كهدف للحراك المدني ووسائل الإعلام التي تدور في فلكه ، حيث جرى تصوير التنظيم أنه حامي الفساد وأحد أركانه الأساسيين في الدولة اللبنانية .
إقرأ أيضا : بالصورة : هذه هي هيئة الرئاسة الجديدة المنتخبة في حركة أمل
وأدّت المواجهات الإعلامية والسياسية وعبر وسائل التواصل الإجتماعي إلى خلق إنطباع عام لدى شريحة معينة من المجتمع اللبناني وداخل الطائفة الشيعية بأن الحركة هي ركن من أركان الفساد وخلقت نقمة لدى كثر من أتباعها المحرومين الذين ضجروا من الخطابات الرنّانة والوعود بإنجاز الخدمات ، أضف إلى تردي أداء نواب " أمل " داخل أروقة المجلس النيابي وإبتعادهم عن الناس ، ونشوء ظاهرة " المسؤول وأزلامه " داخل الشعب في القرى ، وهي إنعكاس لإنقسامات أكبر على مستوى المناطق والأقاليم وصولاً إلى القيادة العليا .
هذه الأخطاء المتراكمة ، عن قصد أو غير قصد ، حاولت حركة أمل التغطية عليها من خلال ٣ محطات .
الأولى ذكرى تغييب الإمام موسى الصدر ورفيقيه في ٣١ آب والثانية مجالس عاشوراء في معوض وصور والثالثة عند أي مناسبة حركية عبر تنظيم حملات إلكترونية وإطلاق هاشتاغات والتباهي بعدها بأن الهاشتاغ تحوّل إلى ترند في لبنان .
وللأمانة ، نجحت الحركة في خلق إنطباع موازي للإنطباع الآخر بأنها تنظيم قوي وغير مترّهل ، وخُيّل لكثر أنها ما زالت بخير ، حتى جاءت صدمة الإنتخابات النيابية الأخيرة.
في إنتخابات ٦ أيار ٢٠١٨ ، إستطاع كل من رشحتهم حركة أمل الفوز بمقعد نيابي ، ففاز التنظيم بكتلة نيابية وازنة لكن الأصوات التفضيلية للمرشحين كانت فضيحة بكل ما للكلمة من معنى .
أرقام هزيلة عكست لأول مرة حجم الترّهل داخل " أمل " وأحرجتها أمام الرأي العام اللبناني ، ولولا إنشغال كل حزب في لبنان بملفاته وإستحقاقاته لكان الإستثمار الإعلامي بهزالة الأصوات التفضيلية أكبر من ذلك .
حينها سارع القيّمون في الحركة على تنظيم إستقبالات شعبية في المصيلح بعد الإنتخابات مباشرة ، عبر وفود من مختلف المناطق اللبنانية من أجل لقاء الرئيس نبيه بري وتهنئته ، وكانت هذه هي المحاولة الأولى لإستيعاب الصدمة .
لكن تحت ضغوط الجماهير الحركية عبر السوشيال ميديا ، بدأ الحديث عن المحاسبة ومعاقبة المقصرين وسد الثغرات ، وكان الأمل معقوداً على المؤتمر العام للحركة ١٤.
قبل المؤتمر ، نُظمّت ٣ مناسبات ، الأولى حفل بمناسبة تأسيس كشافة الرسالة الإسلامية ، والثانية ذكرى تغييب الإمام الصدر ورفيقيه والثالثة مجالس عاشوراء في صور ومعوّض.
وفي الثلاث مناسبات ، حشدت حركة أمل كل طاقاتها وجماهيرها وبانت بمظهر التنظيم القوي العصي على الكسر .
وليس صدفة أن يجري تأجيل المؤتمر إلى ما بعد عاشوراء ، مع العلم أن إنعقاده كان مقرّراً قبل عاشوراء ، لكن من فعل ذلك ، أراد الدخول إلى المؤتمر والقول أن الحركة بألف خير والإنتخابات ما هي إلا محطة عابرة .
لم يمنع ذلك الرئيس بري من تمرير بعض التلطيشات في خطاباته ، ففي مناسبة ولادة كشافة الرسالة الإسلامية أبدى عتباً على شبه غياب دور الكشاف كفايةً في الإنتخابات الأخيرة ، وفي المؤتمر بالأمس أيضاً تساءل عن غياب الجماهير وقت الإنتخابات والتي إحتشدت في مهرجان الإمام الصدر ، وإعترف بوجود تقصير .
فالذي راهن على الحشود في ذكرى الإمام الصدر وعاشواء لم يأخذ بعين الإعتبار القيمة المعنوية للمناسبتين حيث يحضرهما أناس عاتبون على الحركة ومسؤوليها ورافضون لأداء نوابها ووزرائها .
مع هذا إستمر الخطأ والرهان على نفس الشيء ، وتناسوا أن هذه الحشود بحاجة إلى خطط وآليات للإستثمار الجيد ، وهذا معنى كلمة " تنظيم " .
فتنظيم حركة أمل كان مترّهلاً رغم كل هذه الحشود لأسباب عديدة منها الروتين التنظيمي والممل ، وجزء كبير من هذه الحشود أوصلت رسالتها للقيادة في الإنتخابات الأخيرة بأن وضع الحركة بات بحاجة إلى إصلاح جذري بسبب التقصير الذي أشار إليه بري بالأمس ، فراهنوا على تغيير حقيقي في المؤتمر العام .
بالأمس ، إنعقد المؤتمر العام ، وكانت النتائج مُخيّبة لآمال الكثيرين ، حتى الذين حاولوا الدفاع عن المقرّرات هم أنفسهم غير مقتنعين بها ، فما وُعدوا به لم يُحقّق ، وحتى التغيير الذي تم في رئاسة الهيئة التنفيذية هو جرى لأن رئيس الهيئة التنفيذية محمد نصر الله أصبح نائباً في البرلمان .
لكن بين الغرق في الأحلام والمثاليات ومحاكاة الواقع خيط رفيع ، فالتغيير الذي حصل في الهيئة التنفيذية وهي بمثابة " حكومة حركة أمل " ليس تفصيلاً صغيراً لما لهذه الهيئة من أهمية ودور محوري في التنظيم .
ولن ينزعج حتى الغاضبون فيما لو إستمر شخص مثل رئيس المكتب السياسي جميل حايك في مركزه ، فهو من أوادم الحركة ، بل كانت الجماهير الغاضبة ستُطالب بإبقائه لو أُزيح من مكانه ، فمشكلتها ليست معه بل مع آخرين ومع نهج وطريقة تفكير معيّنة.
المشكلة الحقيقية والتي ستُثبت الأيام إذا ما كانت قيادة حركة أمل تنبهت لها وقامت بالواجب إتجاهها هي تهمة الفساد التي تُلاحق بعض البارزين في صفوفها ، وهي تهمة شوّهت صورة حركة أمل وتاريخها النضالي في لبنان .
فالناس لا تريد إبر مورفين بنقل مسؤول من مكان إلى آخر ، لأن الأخطاء حصلت وبانت في الإنتخابات وبالتالي المحاسبة تتطلب معاقبة المقصرين وطرد المسؤولين ذات العلاقة بالأمر ، ضمن خطة لا تهدف إلى هدم التنظيم وإعادة بنائه بل تصحيح الأخطاء بطرق محدّدة وأهداف واضحة ، والهدف الأبرز المطلوب حالياً هو الفاسد في حركة أمل الذي إستغل مركزه ونضالات غيره وتضحيات الشهداء ليؤسّس مملكة الفساد داخل التنظيم .
هذه المشكلة بالتحديد المطلوب معالجتها ، ومن أجل تلبية رغبات الجماهير الغاضبة لا بد من كبش فداء تُقدّمه القيادة لتصويب الأمور .
عند هذا الحدّ ، ستقتنع الجماهير بجدوى وفعالية المؤتمر ، ولن يخيب ظنهّا حينها ، لأنّ خير العمل لا يُمكن تحقيقه على أيدي الفاسدين وأصحاب السمسرات ، ولأن العقيدة والثبات عليها لا معنى لها في ظل إستمرار الحرمان .
لذلك ، ما يُخفّف من وجع وآلام وخيبات الحركيين هو وجود الرئيس نبيه بري فقط والرهان عليه ، وهذا بحد ذاته إستمرار للمشكلة لا الحل الذي يُؤسّس لعمل تنظيمي جماعي يستفيد من كل الطاقات والمواهب .
والعبرة التي يجب أن يفهمها الحركي قبل غيره ، أنه ليس بالحشود والهاشتاغات فقط تحيا وتستمر حركة أمل .