من يقف وراء «تسميم» أجواء التفاؤل كلما لاحت بوادره في الأفق؟ وهل يكفي ان يلتقي الرئيس المكلف سعد الحريري مع رئيس تكتل «لبنان القوي» الوزير جبران باسيل، حتى تفتح الطريق مجدداً إلى بعبدا، بصيغة قديمة أو جديدة من صيغ حكومات الوحدة الوطنية، خلافاً لما يشاع نقلاً عن لسان رئيس الجمهورية ميشال عون، وهو في الطريق إلى بيروت آتياً من نيويورك، من إمكانية السير في حكومة أكثرية، تؤلف وفقاً لقناعات الرئيس المكلف، وإذا شاءت أطراف عدم المشاركة تخرج منها؟!
وتبدو الأسئلة تطرح أيضاً من باب الإجابات، قياساً على مفاوضات الأشهر الأربعة الماضية، حيث كلما جرى «التفاهم» في مكان ما على صيغة، يأتي من يرفض، فتتعطل العملية، قبل ان تستقر الرؤية حولها.. ويذهب البلد إلى «الدوامة»: اقتراحات, مفاوضات، تفاهم مبدئي، نقض التفاهم، العودة إلى «المربع الأوّل»..
من هذه الزاوية استقر الرأي ان لا كلمة أخيرة للفريق الجنبلاطي وللفريق «القواتي» قبل أن يقول «الفريق العوني» كلمته النهائية، وغير القابلة للنقض..
وعليه تجزم مصادر مطلعة ان لا تقدُّم حقيقياً يمكن ان يسجل، وان الاشتباك لا يزال قائماً.. وان «تقطيع الوقت» وراء الايحاء بحصول حلحلة هنا، ثم عقد هناك.
مفاوضات جديدة
وفي تقدير مصادر سياسية ان عودة الرئيس ميشال عون إلى بيروت، من شأنها ان تدخل مفاوضات تشكيل الحكومة في مرحلة جديدة، لا تبدو معالمها واضحة، بسبب الغموض الذي ما زال يلف نتائج الاتصالات الأخيرة التي أجراها الرئيس المكلف سعد الحريري، سواء مع رئيس حزب «القوات اللبنانية» سمير جعجع أو مع عضو «اللقاء الديمقراطي» النائب وائل أبو فاعور، حول تشكيل الحكومة، بعد التسريبات المتضاربة حول حصص بعض القوى لا سيما المسيحية منها، فيما كان الواضح فقط ما أعلنه امس، أمين سر تكتل «الجمهورية القوية» (القوات اللبنانية) النائب السابق فادي كرم «اننا لسنا متمسكّين بحقيبة معينة وان حصة «القوات» خمسة وزراء، ويلي مش عاجبو يطلع لبرا».بينما قالت مصادر نيابية في «تكتل لبنان القوي» لـ«اللواء»: حتى الان لم يُطرح على التكتل مشروع صيغة نهائية نوافق عليها، والرئيس الحريري سيضع اكثرمن صيغة واحدة تناسب الجميع وسيطرحها للبحث قريبا ونرجو ان يوفق».
الا ان المعلومات المتوافرة لـ»اللواء» تؤكد - حسب مصادر رسمية- ان حلحلة طرأت على الوضع الحكومي من خلال الصيغة التي تم تداولها بمنح «القوات» منصب نائب رئيس الحكومة وحقيبتين خدماتية واساسية وحقيبة دولة، وكانت صيغة مقبولة ومعقولة وجرى تفاهم حولها بين الرئيسين عون والحريري، خاصة مع موقف رئيس الحزب التقدمي وليد جنبلاط عن استعداد للتسهيل والتنازل، لكن «القوات» رفضتها، وها هي تتحدث مجدداعن طلب خمس حقائب ما اعاد الامور الى المربع الاول.
غير ان اللافت للانتباه، والذي قد يثير انطباعات سلبية، هي المواقف التي اعلنها الرئيس عون، امام الإعلاميين المرافقين له على متن الطائرة التي اقلته من نيويورك إلى بيروت، حول الوضع الحكومي، حيث قال: «ان هناك نوعين من الحكومات، حكومة اتحاد وطني ائتلافية او حكومة اكثرية، واذا لم نتمكن من تأليف حكومة ائتلافية، فلتؤلف عندها حكومة اكثرية وفقا للقواعد المعمول بها، ومن لا يريد المشاركة فليخرج منها».
وعما اذا كان هذا الخيار متاحا ويُسهّل تمريره في مجلس النواب، قال «ان الامور لا تبدأ على هذا النحو، فمن يريد تأليف حكومة يستطيع تأليفها وفقا لقناعاته والمقاييس والمعايير المتماثلة لقانون النسبية. واذا استمر البعض في الرفض تارة والقبول طوراً، فلتؤلف وفقا للقناعات واذا شاءت اطراف عدم المشاركة، فلتخرج منها»، مضيفاً «انا رئيس للجمهورية ولا يمكنني الخروج من الحكومة، لكن قد تخرج الاحزاب التي تؤيدني منها».
 
وقال: «إن الحل يتمثل بقيام احد بأخذ المبادرة، ولكن ليس انا من سيأخذها، ذلك اني لست في الجمهورية الاولى، فالكل يعيد التأكيد على جمهورية الطائف، حتى ان البعض نكر علي حقي في عدم قبولي تشكيلة حكومية، فيما الامر ينص عليه الدستور. فليشرحوا لي معنى الشراكة».
 وأوضح انه قبل سفره الى نيويورك «لم تكن هناك من حلحلة على خط التأليف»، قائلا: «بعد عودتي الى بيروت، اذا كانوا قد أعدوا صيغة حكومية سنطلع عليها وما اذا كانت تعتمد الوفاق لنقرر عندها ماذا سنفعل».
وعن الخطوات التي يمكن ان يتخذها اذا طالت عملية التأليف، قال: «اذا اقدمنا على اتخاذ خيارات، فعندها تكون الامور قد وصلت الى مكان لم يعد من الممكن سوى اتخاذ مثل هذه الخيارات».
ولم يشأ الرئيس عون ان يحسم وجود عقدة خارجية تعيق تأليف الحكومة، على اعتبار ان «الامور مختلطة»، لكنه اعتبر ان «العقدة تكون أحياناً خارجية لكن يعبر عنها محلياً»، في إشارة إلى احتمال وجود ضغوط خارجية، أو ربما رهانات على تطورات خارجية.
وفي حديث آخر لقناة «روسيا اليوم» اجراه في نيويورك أمل الرئيس عون «الوصول إلى حل في شأن تشكيل الحكومة، من دون ان يستبعد احتمال العودة إلى مجلس النواب في حال لم يتبلور هذا الحل، واستمر الفشل».
ولاحظت مصادر مطلعة، ان موقف الرئيس عون من حكومة الأكثرية، يتوافق مع موقف آخر مماثل اطلقه البطريرك الماروني بشارة الراعي من كندا، بضرورة تشكيل حكومة بمن حضر، «ليقبل بها من يقبل وليرفض من يرفض لأن الوطن أغلى من الجميع»، لكنه لا يتوافق حتماً مع تُصوّر الرئيس الحريري لحكومته، حيث أكّد في غير مناسبة تمسكه بحكومة الوفاق الوطني.
وقال عضو كتلة «المستقبل» النائب عاصم عراجي في هذا الصدد: «نحن نحترم رأي رئيس الجمهورية، وله الحق في ان يعطي رأيه في الموضوع، لكنه لا يلزم الرئيس الحريري».
حكومة أقطاب
وبين القبول والرفض لحكومة الأكثرية، برزت دعوة الرئيس فؤاد السنيورة إلى تشكيل حكومة أقطاب مصغرة، للخروج من الأزمة الحكومية الراهنة، وهو كان أطلقها قبل يومين في عشاء المركز الإسلامي في عائشة بكار تكريماً لسفير دولة الإمارات العربية المتحدة حمد الشامسي، ثم اعادت تكرارها بعد زيارته أمس لبطريرك الكاثوليك يوسف العبسي في الربوة، معتبراً ان الأقطاب عندما يكونوا موجودين في حكومة واحدة مصغرة من 10 أو 14 وزيراً، يمكنهم تحمل المسؤولية، وبالتالي يحرصون على بذل الجهد لإنجاح المسعى واتخاذ ما يقتضي من قرارات للمعالجة بشكل فعّال.
وفي تقدير الرئيس السنيورة، بحسب ما نقل عنه زواره، ان حكومة الأقطاب كانت هي المخرج في الأزمات المماثلة، والذي يؤدي إلى استعادة الحركة السياسية بشكل طبيعي وإخراج البلد من دوّامة الأزمات التي يتخبّط بها، سواء على صعيد المشكلة الاقتصادية والمالية، أو الحالة التي آلت إليها الدولة من تناثر وتقاسم واستتباع من قبل الأحزاب والميليشيات، أو المشكلات المتآتية من علاقة لبنان مع محيطه العربي والعالم.
وأوضح هؤلاء الزوار، ان حكومة الأقطاب يمكن ان تحقق ثلاثة أهداف سريعة لاستعادة مكانة السلطة داخلياً وخارجياً.
الاول: تحمل مسؤولية السلطة على مستوى أقطاب قادرين على أخذ قرارات سريعة وفورية، وتكون بالتالي حكومة منتجة.
الثاني: باعتبارها خطوة كبيرة لاستعادة الثقة داخلياً وخارجياً لقدرات الدولة وامكاناتها لتحقيق الإصلاحات المنشودة، سواء بالنسبة لتوصيات مؤتمر «سيدر»، أو المؤسسات الدولية الأخرى.
والثالث: احداث صدمة إيجابية تضع حداً للتدهور الحاصل في سمعة الدولة وهيبتها وفعاليتها، بعدما وصلت الأمور إلى هذا المستوى من الهريان.
وأكّد السنيورة، بحسب زواره، ان الأزمة الحالية أكبر من ان تستطيع حكومة عادية من معالجة التراكمات السياسية والاقتصادية والاجتماعية التي تولدت عنها، لإعادة تصحيح مسار السلطة.
مزاعم الصواريخ
وباستثناء النفي الذي صدر عن الاتحاد اللبناني لكرة القدم لمزاعم رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو عن وجود مواقع صواريخ لـ«حزب الله» تحت ملعب نادي العهد في الضاحية الجنوبية، بقي الحزب على صمته من الرواية الإسرائيلية، والتي كررها مجدداً المتحدث باسم الاحتلال الإسرائيلي افيخاي أدرعي، إلا ان وزير الشباب والرياضة في حكومة تصريف الأعمال محمّد فنيش، قال لوكالة الأنباء «المركزية»: «لنترك نتنياهو مع اكاذيبه واوهامه»، ليتحدث ما يشاء ويحرض بالطريق التي يريد، «نحن نكتفي بالقول ان المقاومة لديها قدراتها، كما عبر عنها الامين العام السيّد حسن نصر الله ونحن معنيون بالتصدي لعدوانه، ولاي اعتداء جديد على لبنان، الإسرائيلي يعرف تماماً ماذا ينتظره إذا اقدم على أي عدوان ضد لبنان، وإذا لم يعرف فسيتفاجأ».
يُشار إلى ان الرئيس عون كان جدد في حديثه إلى الصحافيين في الطائرة، التأكيد على ان الاحتلال الإسرائيلي هو الذي أدى إلى قيام المقاومة المسلحة، وسأل: هل من احد ينكر على المقاومة انها اخرجت الاسرائيلي؟ او ان ينكر الاعتداء الاسرائيلي في العام 1993 وعناقيد الغضب في العام 1996 او مقابر مئة طفل التي خلفتها؟ وكم من مرة انتقمت اسرائيل من لبنان، ان من خلال استهدافها معامل الكهرباء او عمليات الخطف العسكرية او غيرها من العمليات؟».
وأعاد الرئيس عون التأكيد أن «حزب الله تصدى لأول هجوم لمجموعات ارهابية على لبنان من القصير»، قائلا: «كلنا نحارب الارهاب في لبنان. ولست انا من احيي المقاومة، بل اتحدث عن تاريخ لبنان، ذلك ان المقاومة تعيش بقدراتها والازمة السورية جعلت حزب الله ضمن القضية الاقليمية. واذا كان المجتمع الدولي غير قادر على مساعدتنا لحل ازمة النازحين السوريين، فكيف يمكن لنا ان نعالج مسألة حزب الله وحدنا، وقد اصبحت لها ابعاد اقليمية ودولية، وقبل حل مشكلة الشرق الاوسط؟ فليتم ايجاد حل لازمة الشرق الاوسط، وبعدها حل سائر المسائل المتفرعة عنها».