لم يعد الكشف عن القلق والخوف حول الوضع الإيراني وتطوّراته، ممنوعاً أو مرفوضاً من المتابعين أو حتى من الذين تربطهم علاقات قديمة مع طهران. يقولون بصراحة: القلق الحقيقي والعميق من أن تنفجر حالة شعبية واسعة وعلى مساحة إيران وليس العاصمة وحدها أو حتى بضع مدن كبيرة. ما حصل أثناء «الانتفاضة الخضراء» عام 2009، لم يعد مثالاً لما يمكن أن يحصل. الخوف من وقوع خلل كبير يفتح الأبواب على حالة من «السورنة»، تسمح للآخرين المتوثّبين برمي الزيت على النار. مثل هذا الانفجار يُسقِط كل المحرّمات، الأخطر أن «النار الإيرانية» لن يتمكن أحد من حصرها مهما حاول. من المؤكد بسبب تركيبة المنطقة الجيوسياسية أن تتمدّد النار من إيران إلى باكستان وتركيا وصولاً إلى باب المندب. المثير في كل ذلك أن كل المحرّمات ستسقط، ومتى سقطت تصبح عملية لملمة الوضع مهمة شبه مستحيلة.
طبعاً، يرى العارفون، أن المشكلة كامنة في قلب إيران وليست من خارجها. ما حصل في الأحواز، فجّر في طهران ردود فعل عنيفة وغير عاقلة أحياناً. حتى الرئيس حسن روحاني العاقل أخذته «كرة الثلج» المتدحرجة، وبدا في ردّة فعله مثله مثل أي قائد في «الحرس الثوري». الغريب وربما المفاجئ أن الأميرال شمخاني، كان «العاقل الوحيد» فدعا إلى «الحوار». الأرجح لأنه يعرف خريطة الوضع في خوزستان (الأهواز) هو الذي منحه هذا التعقل ودفعه إلى هذه الدعوة.
الأزمة الاقتصادية ليست على طريق الحل. بالعكس فإنها تزداد تعقيداً، مع كل يوم يخسر فيه التومان من قيمته أمام الدولار. هذه الخسارة ستستمر ولن تتوقف لأن التومان المسلّح «بصواريخ الحرس» يواجه الدولار المسلّح «بالنووي»، كما يتداول الإيرانيون الانهيار بسخرية. الأخطر من كل ذلك، لا يبدو أن المرشد آية الله علي خامنئي ومجموعة قادة «الحرس الثوري» الذين يدينون بالولاء له، خصوصاً أنه مضى على بعضهم أكثر من عشر سنوات بفضله في موقعهم، مستعد للتراجع لأنه ما زال يعيش فترة صعود الثورة بشعارات «الموت لأميركا» مع أن العالم تغيّر منذ ذلك الوقت كثيراً.
مهما يكن، لا يبعث الوضع الإيراني على التفاؤل بالتغيير. بالعكس المنطقة كلها ستنتقل من السيّئ إلى الأسوأ. الأمن الاستراتيجي في المنطقة قائم على توازن غير منظور. هذا التوازن الذي يبدو قوياً هو هشّ بالفعل. اشتعال إيران يفتح الباب واسعاً أمام «التواصل الإسلامي المتشدد أو المتطرّف» على مصراعيه. المقصود أن هذا التشدد المتجسد في ثلاث تنظيمات إسلامية ضخمة، والأسوأ أنها متناسلة كما أثبتت أحداث العراق مع ظهور «الدولة الإسلامية»، هي: «داعش» و«القاعدة» و«طالبان». إنفلات هذه التنظيمات على بعضها البعض أو حتى على إيران لن يبقي بناءً قائماً في المنطقة.
ما يجعل هذا كله من نوع الممكن الخطير لكل الشرور، أن تمدّد هذا كله إلى أوروبا سيجرّ الغرب بكل تلاوينه (خصوصاً في مرحلة صعود الشعبويّين وحتى اليمين المتشدّد) إلى التدخّل تحت شعار الحماية والدفاع.
يعترف الخائفون والقلِقون، أن إيران تتحمّل جزءاً كبيراً وأساسياً من المسؤولية عمّا يحدث وما يمكن أن يحدث. العراق وسوريا مثلَين كبيرَين لكل ذلك. في العراق، الصراع يخفي في الوقت نفسه حواراً مندفعاً للتفاهم بين إيران والولايات المتحدة الأميركية. يعرف الطرفان أنه لا يمكن لأحدهما إلغاء الطرف الآخر. المهم في العملية كيف يمكن لهذا الطرف أو ذاك «قضم» ما يمكنه من حصّة الآخر.
الجنرال قاسم سليماني، هو اليوم «المندوب السامي» الإيراني في العراق. يتحرّك من البصرة إلى أربيل مروراً ببغداد وكأنه يتحرك بين زوايا «كرملين» السلطة في طهران. الجنرال أو «الآغا» يلعب في العراق وبالعراقيين كما كان يفعل الجنرالان غازي كنعان ورستم غزالي في لبنان. مع الإشارة إلى أن سليماني أكثر تهذيباً مع العراقيين، وفي الوقت نفسه أسوأ في ردود فعله متى غضب.
نجاح سليماني في العراق يعود إلى معرفة عميقة بخريطة العراق، وتكالب بعض القوى على السلطة. ما فعله السُنَّة مؤخراً يؤكد كل ذلك. لقد جاؤوا بمحمد الحلبوسي، وهم يعلمون أن أول ما فعله عندما تسلم الأنبار هو التشدد ضد المتشددين من السّنة. لذلك لم يفاجأ أحد بمواقفه القريبة من إيران. الأسوأ أن لعبة المال سائدة كما تشير مختلف المعلومات حول تثبيت تسمية المرشح لرئاسة المجلس. حالياً تتمحور المواجهة حول تسمية رئيس الوزراء، خصوصاً بعد إبعاد العبادي. بخلاف لبنان، فإن الحزب الذي ينجح بإيصال مرشّحه للرئاسة يخسر من كيسه في تسمية وزراء، لأن عليه تأمين 34 نائباً. حتى الآن ما زالت حظوظ عادل عبد المهدي مرتفعة، ولكنها ليست مضمونة. تداخل معركة تسمية رئيس الوزراء مع تسمية المرشح لرئاسة الجمهورية تجعل التطورات معقّدة وقابلة لكل الاحتمالات.
ما حصل في البصرة بدأ لأسباب «بصراوية»، ثم امتدت النار وصولاً إلى العلاقات مع إيران، مما يؤكد وجود «نار تحت الرماد». ما لم تُسارع إيران لمعالجة الوضع في العراق، وأيضاً في سوريا، حيث ينتشر حقد سنّي شعبي ضدّها بسبب مواقفها وممارسات بعض ميليشياتها الشيعية، فإن الانفجار آتٍ من الخارج إلى الداخل، ومن الداخل إلى الخارج.