يعرف حزب الله أنه في مرحلة حرجة جداً. الضغوط تزداد من كل جانب. لكنه يرسم استراتيجيته لمواجهتها. يرتكز الحزب على أكثر من عامل في مواجهة ما يتعرّض له إقليمياً ودولياً، سياسياً وعسكرياً ومالياً. عامل الاحتضان الشعبي في بيئته عنصر أساسي في مواجهة كل التحديات، لأن الالتفاف من حوله يعدّ عنصر قوة يحرم أي طرف من إيجاد ثغرات تمثّل شوكة في الخصر. والعامل الثاني هو ما تحقق سياسياً وميدانياً في المنطقة، من لبنان إلى سوريا والعراق فاليمن. بمعنى آخر، إن العامل الثاني هو الانتصارات التي يحققها محور الممانعة في الشرق الأوسط. أما العامل الثالث داخلياً، فيبقى الارتكاز على حليف استراتيجي وأساسي تثبت التجربة يوماً بعد يوم جدوى رهان الحزب عليه، وهو رئيس اسمه ميشال عون.
يهتم حزب الله بالوضع الداخلي إلى أبعد حدود. يعمل على أكثر من خطّ لتثبيت التسوية الداخلية وإجراء المصالحات بين الأفرقاء وصولاً إلى تكريس حكومة الوحدة الوطنية التي تضم الجميع.ولذلك، يوزّع نشاطه في أكثر من اتجاه لرعاية هذه المصالحات بين القوى والأفرقاء، الحلفاء والخصوم، بشكل يضعه في مصاف المصلح في ما بين الألداء. لأن ما يريده حزب الله هو أن يبقى لبنان ساحة مستقّرة بعيدة عن كل حرائق المنطقة وتطوراتها. وهذا ما يتفاهم عليه بشكل مباشر أو غير مباشر مع عون والرئيس سعد الحريري.
أكثر ما يعبّر عن ثقة الحزب برئيس الجمهورية، هو موقف نائب الأمين العام الشيخ نعيم قاسم، في معرض تعليقه على المواقف التي أعلنها لجريدة فيغارو، معتبراً أنها مواقف مشرفة ومسؤولة، وبأنه عبّر عن رؤيته للبنان السيد المستقل في إطار وحدة وطنية لا تقبل التبعية ولا الاحتلال ولا الانخراط في لعبة المحاور. ووجه قاسم "تحية كبيرة إلى ربان سفينة لبنان القوي المقاوم، يرعاها بسياساته الوطنية الحكيمة والشجاعة. والحمد لله على هذه النعمة ليتمكن لبنان من أن يحفظ موقعه ودوره وأن يحفظ مستقبل أجياله على خط الاستقلال والسيادة والحرية".
يصف حزب الله مواقف عون بالكبيرة جداً، والتي لا يمكن أن تنسى أو تنكر، وبأن لها أبعاداً استراتيجية يجب قراءتها والتوقف عندها. المقصود في ذلك، أن العلاقة بينهما تتخطى كل الحسابات اللبنانية الضيقة والتي تتعلق بوزير دولة من هنا، او حقيبة سيادية من هناك. ما يقود إلى خلاصة أساسية هي أن الحزب يفوض عون تفويضاً كاملاً في مسألة تشكيل الحكومة، التي لا يمكن أن تتشكل بدون موافقة الرئيس ورغبته، فلا يمكن لحزب الله أن يخسر هكذا علاقة لحسابات مؤقتة.
يمثّل عون بالنسبة إلى الحزب سدّاً منيعاً وحصناً آمناً، في المعنى السياسي الرسمي والاستراتيجي. يصل الأمر إلى حدّ وصف أحد القياديين البارزين في الحزب عون بأنه الرجل وقت الحزّات ويوم يواجه الحزب خطراً من الخارج يعرف أن هناك سنداً يمكن الارتكاز إليه، ولدى حصول أي تهديد إسرائيلي سيكون هناك قائد سياسي إلى جانب القيادة العسكرية للمقاومة. وهذا لا يقدّر بثمن ولا بمناصب أو مكاسب سياسية. وهذه المواقف يظهرها عون في الداخل والخارج، وأمام الدبلوماسيين والمسؤولين الدوليين حيال ما يتعلق بسلاح الحزب وبالعقوبات المالية التي تريد بعض الدول فرضها عليه.
يبدو حزب الله متيقناً لتجاوز كل الأزمات التي تواجهه. المسألة مرتبطة بالصبر فحسب. الميدان يتحدث عن الواقع، ويستند القيادي في الحزب إلى ما قاله عون بأن الفشل في مواجهة الحزب عسكرياً، يضطر البعض إلى شن حملات سياسية عليه لشيطنته أو اللجوء إلى العقوبات المالية لمحاصرته. ولكن، كل ذلك سيجري تجاوزه بحسب الحزب في المرحلة المقبلة. وكذلك ستفعل إيران التي لديها علاقات ممتازة مع دول الغرب باستثناء واشنطن. والرهان هنا على الصبر أيضاً. وهذه نصائح تلقاها الإيرانيون من الأوروبيين بضرورة الصمود، لما بعد مرحلة ترامب، او على الأقل لما بعد انتخابات الكونغرس. لأن السياسة الأميركية ستتغير، وحتى لو لم تتغير، فإن الأوروبيين سيكونون جاهزين للخروج من الشروط الأميركية والاستمرار بالعلاقة مع طهران والحفاظ على الاتفاق النووي ومندرجاته وتبعاته.
ولكن، في القراءة للمرحلة المقبلة، يعرف حزب الله أن الضغوط قد تؤثر في بعض المجالات. فالعقوبات المالية والاقتصادية قد لا تؤثر حالياً عليه ولكنها على المدى البعيد ستفعل فعلها. وكذلك بالنسبة إلى بعض التشريعات التي تتعلق بالسلاح، وآخرها إقرار مجلس النواب معاهدة تجارة الأسلحة، وقد اعترض نواب الحزب عليها. ولا تخفي مصادر متابعة انزعاج الحزب من الطريقة التي أقرت فيها هذه المعاهدة، بمعزل عن الشأن القانوني أو غير القانوني، لأنها قد تؤثر أيضاً في الحزب على المدى البعيد في مسألة تسلّحه واقتنائه للسلاح. هذه كلها يدرجها حزب الله في خانة الضغوط التي تمارس عليه، لكن مواجهتها محتومة، ولا بد من إيجاد العلاجات لها.