قبل سفره الى باريس أواخر عام 2015 وعودته «موعوداً» من الرئيس سعد الحريري بتبنّي ترشيحه لرئاسة الجمهورية تواصل فرنجية، كما أكّد أكثر من مرة، مع قيادة «القوات اللبنانية» عبر اللجان المشتركة وأبلغ اليها أنه ذاهب للقاء الحريري وسألها: «ما تمّ الحديث عنه في السابق عن دعمكم لي لرئاسة الجمهورية هل لا يزال قائماً أم غيّرتم رأيكم»؟
جواب «معراب» كان واضحاً وضوحَ الشمس: «باقون على وعدنا».
كانت اللجنة المشتركة يومها تقوم بالواجب لتقريب «المسافات الضوئية» بين الطرفين. محاضر الاجتماعات كانت تشي بأنّ ثمّة أموراً أساسية يمكن البناءُ عليها بين معراب وبنشعي إذا فقط تمّ تجاوز ذيول الماضي بكل مآسيه. وضعُ جعجع يده لاحقاً بيد ميشال عون وإبرامه اتّفاقاً أوصل «الجنرال» الى قصر بعبدا، لم يُفسّر في قاموس زعيم زغرتا سوى قطع للطريق لوصوله الى سدّة الرئاسة الأولى.
على مدى سنتين، أي منذ العام 2013، عقدت لجنتا تيار «المردة» برئاسة الوزير السابق يوسف سعادة و»القوات» برئاسة فادي كرم وطوني الشدياق اجتماعاتٍ عدّة، باكورتُها الأساسية إبلاغ جعجع الى أعضاء اللجنة استعدادَه للسير بفرنجية مرشّحاً لرئاسة الجمهورية مقابل رزمة مطالب تناولت بعض الحقائب والمواقع الاساسية، حتى إنّ فرنجية أقرّ أكثر من مرة أنّ «القوات» فاتحته برغبتها في كسر الجليد مع «حزب الله» واعداً بالمساعدة «لكنّ القرار الأول والأخير لدى السيد حسن نصرالله».
طَوى «تفاهم معراب» صفحة التقارب «العملي» بين «المردة» و»القوات» لكنه لم يُلغِه نهائياً. لم يتأخر عون نفسُه، كما وزير الخارجية جبران باسيل، عن منح الحزبين المسيحيَّين «الأسبابَ الموجبة» للالتقاء والتفاوض مجدداً. الزيارةُ العلنية لموفد «القوات» طوني الشدياق للوزير سعادة في تموز 2017 ثم زيارة الأخير معراب في آب أعادتا تدشين خطوط التواصل وإعادة لحم ما انقطع. حدث ذلك بعد زيارتين للوزير ملحم رياشي في كانون الثاني وغسان حاصباني في حزيران لفرنجية في بنشعي من العام نفسه.
في الوقت الراهن تشهد الاتّصالاتُ على خطّ زغرتا - معراب نشاطاً زائداً من دون أن يقدّم المواكبون لها «خريطة طريق» واضحة المعالم بإستثناء التأكيد أنّ كل ما يحصل منذ سنتين يدفع في اتّجاه تعزيز قنوات الحوار والتواصل والتشاور بين الطرفين. سيكون معبِّراً جداً ردّ فرنجية على اتّصال جعجع معزِّياً بعمه روبير فرنجية في مقابل تمنّعه عن الردّ على باسيل!
لا يجد زعيم «المردة»، كما يردّد في مجالسه، تفسيراً لعودة الحرارة الى «حوار الخصمين» سوى التعاطي السلبي من جانب «الفريق الحاكم» مع «المردة» و«القوات». نُقِل دوماً عن الزعيم الزغرتاوي قوله «بجهود جبران باسيل قد تجدونني جالساً مع جعجع قبل اللقاء مع عون!». هذا ما سيحصل على الأرجح. ولن يجد حرجاً في الكشف عن «أنه حين التقينا «القوات» في المرة الأولى قلنا لهم تحمّلناهم سنواتٍ طويلة (العونيون)، إن شاء الله تصمدوا سنةً واحدة»!
فعلياً، لم «يصمد» جعجع وقتاً طويلاً، ولا حتى «التيار الوطني الحر» إستوعب «القوات» شريكةً أساسية على طاولة القرار المسيحي. «ورقة التفاهم» لم يبقَ منها سوى «الوعد الصادق» المشترَك بعدم العودة الى لغة الاقتتال! غير ذلك، إحتمالاتُ التصادم بين الحزبين مفتوحة.
وفق المعلومات، هناك مسعى جدّي للتوصّل الى مصالحة بين فرنجية وجعجع وبين كوادر الطرفين، وعملٌ متأنٍّ خلف الكواليس لوضع عناوينها العريضة على قاعدة فتح صفحة جديدة، وذلك بمعزل عن الخلافات الجوهرية في ما يتعلّق بـ«حزب الله» والملف السوري وقضايا المنطقة.
تتقاطع مصادرُ «القوات» و«المردة» عند التأكيد «أنّ هناك قراراً واضحاً بالوصول الى مصالحة». بالنسبة الى «القوات» يصبّ هذا التوجّه، وفق أوساط الحزب، «عند اقتناع جعجع بضرورة الحوار والانفتاح ضمن السياق الطبيعي لمسارٍ تبنّاه من مصالحة الجبل الى «اتّفاق معراب» بمباركة الكنيسة».
لدى «المردة» الواقعيةُ السياسية تفرض نفسَها، فكيف إذا كان إستحقاقُ رئاسة الجمهورية مادةً قابلةً دوماً لـ«الاشتعال» حتى لو في بدايات العهد. يصل الأمر الى حدِّ تفهّم كلام النائب ستريدا جعجع من استراليا قبل نحو عام والذي استفزّ «المردة» حتى العظم، مع تأكيده يومها أنّ «القوات» لا تحاول إعادة نكء الجروح، فضلاً عن عدم صدور موقف واحد من جانب فرنجية أو محيطه يندّد بـ «جشع» «القوات» الوزاري. عبارة تنطبق، في رأي الأخير، على باسيل «الذي لا يشبع».
بعيداً عن «زبدة» اللقاءات الثنائية التي تُعقد خلف الأضواء بين سعادة والشدياق والتي تشير المعلومات الى أنها تكثّفت في الآونة الاخيرة لا يمكن، وفق مطلعين على خفايا هذا التقارب، فَصلُ المصالحة المحتملة بين «المردة» و«القوات» عن «أجندة» جعجع وفرنجية!.
بالنسبة الى جعجع، يضيف هؤلاء، لن تكون المصالحة سوى مرحلة متقدمة وأكثر عمقاً في «تبييض سجلّه» المسيحي والوطني، واستطراداً إزالة بقية الذرائع التي قد تمنع «الفتح القواتي» للساحة الشيعية، تحديداً «حزب الله».
ما لم يتمكّن عون من فعله، أو الأدق ما لم يرد فعله، قد «يتبرّع» به فرنجية. رئيسُ تيار «المردة» المعروف بصدق التزاماته السياسية قد يتكفّل بمهمّة تشييد الجسور بين معراب والضاحية. يقف الأمر فقط عند «إلتزام» فرنجية الأمر. المطّلعون يجزمون: «إذا التزم سينجح... لكن الأرجح لن يفعلها».
بالنسبة الى فرنجية ما سعى عون لأخذه من جعجع سيحاول رئيس «المردة» إقتناصه: «الورقة المسيحية» في مشروع رئاسة الجمهورية. ستقف الحساباتُ الخاصة، غير المعلنة، لكل من الطرفين خلف مشروع «تلاقي الأضداد».