على رغم من بعض المؤشرات الماثلة حول احتمال حصول ولادة حكومية قريبة فإنّ المعنيين، وحتى المتابعين، يرون الاحداث التي تشهدها المنطقة والاستحقاقات التي تُقبل عليها تَشي بأنّ الاستحقاق الحكومي لم يُفرج عنها بعد من الغرف المغلقة لدى اللاعبين الكبار، وعلى رأسهم الولايات المتحدة الاميركية التي قررت عقوبات ضد إيران و»حزب الله»، ولا تريد تأليف حكومة تُظهر انّ هذا الحزب يزداد قوة وحضوراً. ولعل ما يدفع المراقبين الى استبعاد ولادة الحكومة في هذه المرحلة انّ التطورات الجارية على الساحتين الاقليمية والدولية لا تشير الى انّ مقايضات ما حصلت او هي على وشك الحصول، وسيكون من ضمنها الافراج عن الحكومة اللبنانية العتيدة.
الحريري ـ جعجع
وكان التطور السياسي البارز أمس، اللقاء الذي انعقد في «بيت الوسط» بين الحريري ورئيس حزب «القوات اللبنانية» الدكتور سمير جعجع، وتناول البحث خلاله، حسب معلومات رسمية، «آخر المستجدات السياسية ولاسيما منها الاتصالات الجارية لتأليف الحكومة الجديدة. واستُكمل البحث الى مأدبة غداء أقامها الحريري للمناسبة».
وعلمت «الجمهورية» انّ جعجع أبلغ الى الحريري عودة «القوات اللبنانية» الى المربّع الاول لمطالبها، وهو ان تكون حصتها 5 وزراء. ولم يحدد جعجع نوعية الحقائب التي تريدها «القوات»، على ان يبحث في هذا الموضوع لاحقاً.
وكانت معلومات قد ترددت انّ المعنيين عرضوا على «القوات» تمثيلها بـ4 وزراء تُسند اليهم حقائب «التربية» و«الشؤون الاجتماعية» و«التنمية الادارية» إضافة الى منصب نائب رئيس الحكومة، ولكن «القوات» لم تبلّغ هذا العرض رسمياً على رغم تَسرّبه من القصر الجمهوري.
وأشارت مصادر مطلعة الى انّ التشكيلة التي قدمها الحريري لعون أخيراً تضمنت تمثيل القوات بـ4 وزارء تسند اليهم حقائب تتصدرها حقيبة وزارة العدل، التي تعتبرها «نصف سيادية»، وانها قبلت بها خلال المفاوضات بينها وبين الحريري مقابل تخلّيها عن الحقيبة السيادية.
قالت مصادر مواكبة لمشاورات التأليف لـ«الجمهورية» أن من بين الأفكار المتداولة في بعض الأوساط منح «القوات» حقيبة «وزير دولة لشؤون نيابة رئيس مجلس الوزراء»، لكن لا شيء نهائيا او واضحا بعد على هذا الصعيد.
واشارت المصادر إلى أن جنبلاط أعطى خلال الأيام الماضية ما يكفي من الإشارات الإيجابية حول استعداده للقبول بتسوية للتمثيل الدرزي وبالتالي فإن العقدة الدرزية باتت قابلة للحل ولم تعد مستعصية، وهي ستعالج برعاية الرئيس نبيه بري في اللحظة المناسبة، وبالتالي فإن الأولوية الآن هي للانتهاء من العقدة المسيحية.
وكشفت المصادر أن بعض المحيطين بجنبلاط اعتبروا انه كان من الأفضل ان يصبر قليلاً، وان يتمهل في لعب ورقة الاستعداد لتقديم تنازل حتى اللحظة الأخيرة، لكي يبيعها بسعر سياسي مرتفع، ولكن جنبلاط اصر على إبداء الاستعداد للمرونة بمعزل عن مسار العقد الأُخرى لأن الوضع العام لم يعد يتحمل ترف الإنتظار والمناورات.
وأوضحت المصادر أن لقاء الحريري مع الوزير وائل أبو فاعور أمس الاول لم يقتصر على الشأن الحكومي بل ركز أيضا على ضرورة معالجة ملف الموظفين الذين أقيلوا أخيرا لأسباب سياسية.
ولفتت المصادر إلى أن التناغم الذي ظهر بين الحريري وحزب الله في الجلسة التشريعية الأخيرة قد ينعكس إيجابا على مسألة تأليف الحكومة إلا أنه لا بد من بعض الوقت للتثبت من احتمال حصول حلحلة حقيقية أم أن مصير الجولة الجديدة من مشاورات الحريري سيكون مشابها لما آلت إليه المحاولات السابقة.
موقف «القوات»
وقالت مصادر «القوات اللبنانية» لـ«الجمهورية» انّ الهدف من اللقاء بين الحريري وجعجع «كان التشاور في هذه المرحلة التي تستدعي لقاءات متواصلة من أجل توحيد القراءة السياسية حول الحكومة والاوضاع العامة، وتركّز النقاش عملياً حول نقطتين أساسيتين:
- النقطة الاولى تتصل بتأليف الحكومة حيث أبلغ جعجع الى الرئيس المكلف في وضوح انّ كل ما يُثار في الاعلام خلال الأيام الاخيرة من صيَغ وافكار حول قبول «القوات» بعروض معينة لا يمتّ الى الحقيقة بصلة، فهذه الصيغ تفتقد الى الجانب التمثيلي ورؤية «القوات» لتمثيلها في الحكومة، فضلاً عن انها صيَغ غير رسمية، فهي يتيمة من دون أب أو أم ومجهولة المصدر.
واكد جعجع للحريري انّ «القوات» قدمت أكثر من قدرتها من التسهيلات المطلوبة، ولكن الطرف الآخر تعامل باستلشاق وبفوقية وبمحاولة انتزاع مزيد من التنازلات من «القوات» وكأنه في موقع قوة وهي في موقع ضعف، الأمر الذي أرادت ان تضع حداً له من خلال تمسّكها بتمثيلها وفق ما أعطتها إيّاه الناس في صناديق الاقتراع. فيما هذا الطرف فَوّت على البلد فرصة تأليف حكومة نتيجة تَعنّته واستئثاره، وبالتالي فإنّ «القوات» متمسكة برؤيتها التمثيلية خصوصاً اننا ما زلنا على مسافة أشهر من الانتخابات النيابية التي جرت في ايار الماضي. وانّ رغبة جعجع بلقاء الحريري أمس كان مردّها الى انه اراد ان يُطلع الرئيس المكلف على وجهة نظر «القوات» في شأن تمثيلها في الحكومة، في حال تجددت مفاوضات التأليف الحكومي مع عودة رئيس الجمهورية من نيويورك.
- امّا النقطة الثانية، فقد شكلت الطبق الرئيسي للقاء حيث عرض جعجع بالتفصيل كل ما لديه من تقارير ودراسات وأرقام حصل عليها من خلال لقاءات عقدها مع مجموعة من الاقتصاديين، تقاطعت على نقطة اساسية وهي انّ الوضع في لبنان ينزلق اقتصادياً واجتماعياً نحو الأسوأ، وانه لا يجوز ترك البلاد رهينة مناورات احد الافرقاء السياسيين الذي يسعى إمّا الى تحجيم هذا الطرف، وإمّا الى إخراج الطرف الآخر من الحكومة العتيدة. وبالتالي، في انتظار ان تؤلّف الحكومة وعلى امل ان يحصل هذا التأليف اليوم قبل الغد، يجب المبادرة سريعاً الى التوافق على ضرورة ان تعقد حكومة تصريف الاعمال اجتماعات طوارىء انطلاقاً من حالة الطوارىء التي تعيشها البلاد في هذه الايام، بغية معالجة ملفات أساسية يمكن من خلالها إعادة تحريك العجلة الاقتصادية وإطفاء جزء من الدين العام وإبعاد لبنان من خطر الانهيار».
وذكرت المصادر نفسها أنه «تمّ البحث تفصيلياً في ماهية هذه الافكار والتي عرضها جعجع على سبيل المثال لا الحصر من قبيل معالجة ملف الكهرباء معالجة نهائية، وكذلك معالجة ملف الاتصالات ووقف التوظيف نهائياً ومعالجة التهرّب الضريبي وغيرها من الافكار، الّا انّ الاساس هو أنّ الاسباب الموجبة التي استدعت «تشريع الضرورة» يجب ان تستدعي «اجتماعات الضرورة» للحكومة، وتمّ التوافق على ضرورة توفير أوسع توافق ممكن يتيح انعقاد هذه الاجتماعات للبحث في سبل مواجهة الازمة الاقتصادية ـ الاجتماعية».
روسيا والنازحون
من جهتها، وبعد الموقفين الأميركي والبريطاني من النازحين، اللذين شدّدا على انّ الظروف غير مناسبة حالياً لعودتهم الى سوريا، أكدت السفارة الروسية في لبنان، في بيان، انّ بلادها «تواصل العمل الدؤوب لمصلحة عودة النازحين السوريين»، مشيرة الى أنه «خلال اجتماع غرفة العمليات الروسية ـ السورية المكلفة عودة النازحين الذي عقد في 26 ايلول (الجاري) في موسكو، صرّح اللواء ايفغيني ايليين أنّ مليون و470 ألف نازح قد عادوا الى ديارهم بالتعاون مع عدة دول والمنظمات الدولية».
وشددت السفارة على أنها «تواصل العمل المنهجي لمساعدة السلطات اللبنانية في عودة النازحين السوريين إلى وطنهم، على الاساس الدائم تتوافق كل الاسئلة في اطار اللجنة الروسية ـ اللبنانية المشتركة ومع مركز للجيش الروسي لاستقبال اللاجئين في دمشق وتوزيعهم وإقامتهم». ولفتت السفارة الى أنّ «المؤسسات والبعثات الديبلوماسية الروسية تواصل العمل بنشاط لحشد الجهود الدولية لتسهيل عودة النازحين السوريين». وأشارت الى أنه «تجري إعادة بناء منشآت البنية التحتية».