لم تكن المقاومة فعل الأثرياء لذا لم تجذب أرباب المال من التجار والسماسرة وهي في الأغلب إرادة الفقراء والمهمشين في أوطانهم وهي بنت بيئة اجتماعية محرومة من كل شيء الاً أن فيها من الدماء ما يغذي شجرة الأحرار في العالم لهذا كانت محط آمال الباحثين عن تغيير في بُنى السلطة أو من الساعين الى إزالة الاحتلالات التي تراكمت في مراحل تاريخية كان منطق السيطرة والاستعمار وحده السائد في عقلية الدول الكبرى والامبراطوريات.
تكاد تنحصر مهمّة المقاومة في الفقراء على طول التاريخ ولا يمكن اعتبار التضحية المباشرة بالنفس والفداء والنضال والجهاد الاّ مسؤولية محتكرة لدى الأغلبية العظمى من القوى النابتة على هامش الدول والمجتمعات وكانت آخر تجارب الشعوب في المقاومة اللبنانية التي بذل فيها الفقراء اللبنانيون دماءهم في حين أن الميسورين من اللبنانيين كانوا ينتهزون فرص المقاومة باستثمارات عقارية وغير عقارية بحيث أن الفقير المقاوم كان يحرّر الأرض وكان الرأسماليون يشترون الأرض التي حُرِّرت بأغلى الأعمار, بأبخس الأثمان وعندما خرج المحتل لم يكن للمقاوم أرضاً يبني عليها بيتاً لعدم قدرته على شراء أرض من الأراضي التي حررها.
إقرأ أيضًا: طيري يا طيارة طيري
آنذاك كانت كتل المصالح غائبة تماماً عن مشهد نصرة المقاومة لأنها كانت منحازة الى الظروف التي تخدم مصالحها ولم تكن المقاومة قد بلغت بعد عتبة المصالح لتتسع لصدور وأسنان القوم ممن نراهم اليوم وبكثرة في إطار من صور المقاومة ممن ينفخون أوردتهم حماساً ودفاعاً عن المقاومة بالسبّ والشتم والتكفير والتخوين لمن يسلك مسلكاً سياسياً غير ما تراه قيادة المقاومة من مسالك ومهما كانت وعرة.
حتى العاملون في أطر وتشكيلات المقاومة لم يكونوا من الطبقة الوسطى حتى بل أكثرهم من فقراء القوم لذا تمكنوا من التماهي مع فعل لا يبذله إلاّ من لا يملك شيئًا في صراع يحتاج الى شهداء ولا يحتاج الى هذه الثرثرة المنتشرة الآن والمدفوعة الثمن من قبل بعض رواة حديث اليوم والساعة.
فمن أغنى تلك النخبة الفقيرة في قيادة مقاومة الفقراء؟ سيقول المتدينون الله لأنه هو من يفقر ويغني سبحان الله له في خلقه شؤون ولا اعتراض على نعمه وعلى لعناته التي تطال البسطاء والدراويش في حين أن النعم لا تطال الاّ علية القوم من الممانعين والمقاومين.
لا اعتراض على ما يهب الله ولكن تحويل فعل فقراء الى ثروة فاحشة لنخبة لا يدفع الى الحيرة والى التساؤل والى الوقوف عند ظاهرة خطيرة تقتات على ما تبقى من إرادة نظيفة ما معنى أن رواتب ممثلي الممانعة والمقاومة بالملايين ولو أنها صُرفت في خدمة الناس لما عانت جماهير المقاومة من شُحّ الخدمات ولو أن ما يُدفع بالمجان تحت عناوين وولاءات متعددة لأناس لا وزن ولا طعم ولا رائحة لهم يُحرم منه من هم أحق به من بيئات أعطت ولم تأخذ سوى ثناءات لا تُصرف في الحياة ومديح رخيص لا يغني ولا يٌسمن من جوع.
إقرأ أيضًا: الأهواز فيلم مركّب
أصبح التنافس على المسؤولية يستفز حتى الصغار كونها تعطي المسؤول منافع لا حصر لها ومظاهر لا تراها حتى في المجتمعات الغنية فأقل مسؤول له ما للثري من أهل السوق وباتت حالة بذخ المسؤولين ظاهرة تتمدد وسط بيئة محرومة تزداد مشاكلها الحياتية في حين أن جماعة الممانعة تزداد رخاءًا.
اذا كان المقاوم يقدم روحه في سبيل الله و آخر يقدم جسده في سبيل الوطن فلما لا نرى مسؤولاً من هذه الروح الدينية والوطنية يُقدمُ هو الآخر على بذل ما بذله من جعل منه مسؤولاً على باب السلطة بعيش مقبول بالابتعاد عن حياة الترف لأنه من الصح أن يتساوى المؤمنون بالقضية في الجهاد وفي السلوك وفي الشهادة في الحياة.
لقد خسرت كل الثورات التي نخرها سوس الفساد السياسي والمالي ولا تجربة استطاعت أن تفلت من الخسارة القاتلة اذا ما كثر مترفوها على حساب عائلوها.