مِن على منبر الأمم المتحدة، دعا الرئيس ميشال عون أعضاء ودول هذه المنظمة الأممية إلى اصلاحها من الشوائب التي أثبتت التجارب التي مرّت بها، انها تؤثر على سير عملها، لكن المفارقة التي لم يأت الرئيس عون على ذكرها هي الوضع اللبناني الداخلي، الذي هو الآخر يشكو من الفوضى العارمة في ممارسات السلطة الخاطئة والتي أدّت إلى هذه الحالة التي يعيشها هذا البلد من انعدام لوجود السلطة الفاعلة إلى انتشار الفساد والمفسدين في كل دوائر الدولة ومرافقها الحيوية إلى ذلك الركود الاقتصادي الذي حذّر بالأمس الأوّل رئيس الحزب التقدمي الاشتراكي من خطورته الكبيرة ومخاطره الجمّة على وجود الدولة نفسها من دون ان نسمع أحداً من المسؤولين يدعو إلى إعطاء الأولوية المطلقة لمواجهة هذا الوضع المستفحل، لأن هؤلاء المسؤولين منشغلين بترتيب مصالحهم الخاصة بمعزل عن مصلحة البلاد والعباد.
فمع التقدير الكامل للصرخة التي أطلقها رئيس الجمهورية في الأمم المتحدة، وهي منطقية وصحيحة إذا ما تتبعنا المسار العام لهذه المؤسسة الدولية، فكم من القرارات التي اتخذتها لم تنفذ ولم تلاحق الدولة التي لم تنفذها بموجب القوانين التي ينص عليها نظام الأمم المتحدة، حتى تحوّلت هذه المنظمة الأممية الى هيئة من دون أية فاعلية أو تأثير مما افقدها دورها والغاية التي أنشئت من أجلها، ولكن مثل هذا الأمر ينطبق على لبنان حيث ان معظم القوانين الموضوعة لتنظيم العلاقة بين الدولة والمواطن لا تنفذ، وإن نفذت تكون مبتورة أو استنسابية مما حول هذا البلد من دولة لها دستور وقوانين تحترم إلى مجموعة مزارع أو مجموعة دويلات لكل منها قوانينها التي ينفذها القيّمون عليها وفقاً لأهوائهم ولمصالحهم الشخصية بل أكثر من ذلك، فإن هذه الدويلات تشارك في الدولة الأم وتفرض شروطها وتضع الفيتوات التي تعطل كل القرارات التي لا تناسبها أو التي تتعارض مع قوانينها الخاصة حتى وصل لبنان بعد أقل من سبعين سنة على نيله استقلاله وقيام نظامه إلى حالة من الهريان والفوضى لا يوجد مثيل لها في دول الماوماو. فهل يستفيد رئيس الجمهورية من ذلك الموقف الشجاع الذي اطلقه في اجتماع الجمعية العامة للأمم المتحدة، ويعود إلى لبنان مسلحاً بالقرارات الثورية التي تجعل منه الرئيس المنقذ لهذا البلد الذي يترنح الآن على شفير السقوط في الهاوية السحيقة؟ وليس صحيحاً القول بأن الرئيس الجمهورية بعد اتفاق الطائف لم يعد يتمتع بتلك الصلاحيات التقريرية والتنفيذية، لأنها أصبحت في يد مجلس الوزراء الذي يتشكل من مجموعة متناقضة من الوزراء، لأنه عندما يُقدم الرئيس على مثل هذه الخطوات، سيجد ان الشعب كله معه لأنه «قرف» من هؤلاء الأمراء الذين يديرون شؤونه من دون إرادته وموافقته ويتصرفون أكثر من الاقطاعيين الذين كانوا يحكمون الشعوب بالعصي، والسجن والاحكام بالقتل وغير ذلك من وسائل القمع البربرية.
المطلوب أولاً وآخراً، إيقاف هذا التدهور الحاصل على المستوى العام بدءا بتشكيل حكومة تستطيع ان تواجه كل هذه التحديات، وتعيد الثقة بالدولة وبالنظام اللبناني بدلاً من أن يطرح هو نفسه الشروط في وجه الرئيس المكلف والتي لا تؤدي إلّا إلى مزيد من ضياع الوقت، ومزيد من التشنج السياسي ومزيد من فقدان الفرص المتاحة لقيام الدولة الحكيمة.