لا يُحسد الحريري على موقعه الراهن. معادلة معقّدة تتحكم بحركته، خصوصاً في ملفّ التأليف: هو يريد حتماً قيام الحكومة اليوم قبل الغد، ولا يرغب أبداً في الدخول في نفق المشاكسة ضدّ العهد، وهو متحمّس لجلوس «القوّات» على كرسي حكوميّة وازنة، ويسعى في الوقت ذاته إلى تنقية مجاري العلاقة مع الرياض... ولكن كيف يمكن له أن يجمع كلّ تلك التناقضات تحت سقف حكومته بلا أثمان زائدة؟
خطا رئيس الحكومة المكلّف خطوته الأولى حين «دوزن» ميزان الحصص الوزارية التي تعتبر شبه نهائية، الّا إذا حصل تعديل في الكوتا الدرزية، أمّا في ما يخصّ البقية، فيبدو أنّ كلّ القوى المعنية موافقة ضمنيّاً على الأرقام التي ضمّتها الصيغة المبدئية التي حملها الحريري إلى رئيس الجمهورية ميشال عون.
ولكن منذ ذلك الحين، تدور المشاورات الحكومية في دائرة المراوحة: انقطاع حبل الاتصال والتواصل بين «التيّار الوطنيّ الحرّ» و»القوّات» يجعل من الصعوبة الوصول إلى تفاهم بينهما يحلّ أزمة الحصّة القواتيّة التي يعترض «التيّار» بشكل خاص على نوعيّتها، فيما العقدة الدرزية باتت مشروع معالجة مع إعلان رئيس «الحزب التقدّمي الاشتراكي» وليد جنبلاط انفتاحه على أيّ صيغة حلّ، أمّا العقدة السنية فمتروكة لحينها...
ولكن كيف يمكن الخروج من المأزق؟
يحاذر «حزب الله» الضغط على حلفائه لتسريع المشاورات الحكومية، تاركاً الأمور تأخذ مجراها الطبيعي وفق حسابات كلّ فريق واعتباراته وخصوصيّته. لم يسبق له أن «تطفّل» على اعتبارات حليفه الشيعي رئيس مجلس النواب نبيه برّي، ولن يكون في وارد إسقاط حساباته على حسابات حليفه العوني.
لهذا السبب أسقط الأمين العام لـ»حزب الله» السيد حسن نصرالله «صفة» الاستعجال عن حركة الضاحية الجنوبية الحكومية. الأهم من ذلك، إنّ أيّ «تحريض» من جانب الضاحية الجنوبية ولو بالمونة على حليف «تفاهم مار مخايل» سيصبّ حكماً في مصلحة الخصم القوّاتي، ولهذا لن يفعلها «حزب الله». ففي إمكان الطرفين أن يعالجا خلافهما حتى لو تطلّب الأمر مزيداً من الوقت.
ولهذا تبدو السكينة مخيّمة فوق ساحة المشاورات، أقلّه من جهة الضاحية الجنوبية حيث اكتفى الأمين العام لـ»حزب الله» بالتأكيد مجدّداً على تشكيل حكومة وحدة وطنيّة تضمّ غالبية القوى البرلمانية، بعدما رسم مشهداً تشاؤمياً للولادة الحكومية: لا حكومة في الأفق.
عمليّاً، يتصرّف فريق الثامن من آذار وكأنّه مقتنع كامل الاقتناع أنّ مفتاح «الفرج» الحكومي لا يزال في الرياض، ليس لسبب محدّد، وإنّما من باب تعطيل العجلة السياسية في البلاد، لأنّ أيّ ربط بالتطورات الإقليمية أو الدولية لن يكون في مقدوره تغيير ميزان القوى الوزارية، كما ترى قوى الثامن من آذار.
بالنسبة لهذا الفريق، لا تكفي الحلحلة الداخلية لفكّ أسر الحكومة، مع العلم أنّها اقتربت كثيراً من برّ الأمان، وتحتاج لبعض اللمسات البسيطة لكي تبصر النور.
وفي هذا السياق تتحدّث المعلومات عن رغبة جديّة لرئيس الحكومة في تجاوز العقبات مهما كلّف الأمر، وكان يُنتظر أن يقوم بخطوة تعيد النبض إلى شرايين المشاورات، من خلال تحريكه المياه الراكدة، والانطلاق من عقدة الخلاف بين «التيّار الوطنيّ الحرّ» و»القوّات». فالمعلومات تفيد بأنّ الحريري تداول مع المعاون السياسي للأمين العام لـ»حزب الله» حسين خليل بموضوع الحكومة قبيل توجّهه إلى لاهاي للمشاركة في جلسات المرافعة الختامية للمحكمة الدولية الخاصة بلبنان.
الملفت أنّ الحريري، وفق المعلومات، وصف أداء الثنائي الشيعي في الملفّ الحكومي بأنّه الأكثر تسهيلاً بعدما حدّد مطالبه من اللحظة الأولى. لا بل أكثر من ذلك، يؤكد رئيس «تيّار المستقبل» أمام زوّاره أنّه مصمّم على تذليل العقبات الوزارية، ولعلّ أهمّها الحصّة القواتية، بعد ممانعة «التيّار الوطنيّ الحرّ» منح معراب 4 حقائب، ويفضّل أن تكون من بينها وزارة دولة. إذ يشير الحريري إلى أنّه سيحاول إقناع «القوّات» مرّة جديدة بهذه الصيغة أو إقناع «التيّار الوطنيّ الحرّ» بعكسها، أي إعطاء «القوّات» 4 حقائب.
وفي حال عدم التوصّل إلى صيغة مرضية للفريقين، فهو سيضع مسودة حكومية نهائية يطرحها على الرأي العام ليتحمّل كلّ فريق مسؤوليته.
يتصرّف الحريري على أنّ العقدة الأبرز في المربّع المسيحي، أما العقدة الدرزية فقد مهّد جنبلاط لتسويتها، خصوصاً وأنّ عارفيه يؤكدون أنّ الرجل مستعدّ لصياغة تفاهم اذا ما دنت ساعة الحكومة، أمّا قبل ذلك فهو ليس مستعدّاً للتنازل.
ولكن حتّى اللحظة لم يفعلها الحريري، ما يثبت وجود قطبة مخفيّة خارجية تحول دون ولادة الحكومة، كما تقول قوى الثامن من آذار.