منذ فترة وبعدد من الاطلالات الجماهيرية للأمين العام لحزب الله، عبر عن استيائه من مواقع التواصل الاجتماعي ووصفها بأنها مأجورة وتعمل بتوجيه من بعض السفارات. وأعطى نفسه حق مواجهتها من هذه الخلفية، بالقول ان حرباً نفسية تُشن على الحزب ويجب عدم غض النظر عنها. وفي ليلة العاشر، قال سماحته كلاماً مباشراً عن حرب نفسية تُشن عليه. وأكد على مواجهتها ،مواجهة سيكون مسرحها افتراضياً.
والحزب في هذه المواجهة، أعطاها الطابع الدفاعي، ما يبرر اجراءاته ودعواته. حين قال نصر الله أنها "المرحلة الرابعة من الحرب عليه"، فإنه أعطاها الزخم نفسه الذي يُعطى للمعارك العسكرية والأمنية والعقوبات المالية. قال إن "الإسقاطات التي يعملون عليها هدفها تشويه صورة حزب الله في الداخل". وعليه، فإنه اسقط تأثير وسائل الاعلام العالمية التي تتحدث عن آليات عمل الحزب، والاتهامات الموجهة له، وحصر التأثير في مواقع التواصل، كونها تستهدف جمهوره مباشرة. ولم يتردد في التوجه الى كل مغرد سياسي، قائلاً: "فلينتبه الى كل كلمة يكتبها بتغريدته، كي لا ننجر الى المستوى الذي يريده الاعداء لنا".
إقرأ أيضًا: المنطقة تغلي... هل جنوب لبنان مستهدف؟
والمفارقة هنا تكمن بأن حملة الانتقادات الواسعة على مواقع التواصل الاجتماعي، بالأساس ليست من مواقع الخصوم السياسيين للحزب بل من البيئة الحاضنة للحزب نفسه. هي حرب اذن. حرب دفاعية، بحسب ما يقول. لكنها في الواقع حرب هجومية. لا يستطيع الحزب، بشخصية معنوية غير رسمية، اقفال مواقع التواصل وتقييدها. فهو ليس دولة، ولا سلطة رسمية قادرة على فرض قيود على التداول الالكتروني. فأطلق المعركة وفق آليتين. الأولى، التشكيك في ما يَرِد فيها، وبالتالي افراغها من مضمونها والطعن في مصداقيتها ودقتها. والثانية، تدعو إلى العزوف عن الانخراط فيها، وبالتالي الحد من تداولها.وتوجه بالدعوة الى الانصار، الذين فقد السيطرة عليهم، قبل الخصوم، أولئك الذين لا يمتلك قدرة على تقييدهم.
طالب المحازبين بالتوقف عن نشر معلومات غير محققة، أو الرد على معلومات لا تمتلك المصداقية، أو الانخراط في موجات الردود. وهي في الواقع، استراتيجية تحييد جمهوره عما يمكن أن يمسّه، على قاعدة أن ما يُقال غير صحيح، وهو "يندرج ضمن اطار حرب نفسية" موجهة ضده. في الواقع، تغريدات البيئة الحاضنة هي الأكثر تأثيراً فيه، وباعترافه. خلافاً لوسائل الاعلام التابعة له، خرج المناصرون عن السيطرة. قال نصر الله ذلك بشكل مباشر، حين كشف عن إجراءات تأديبية اتخذها الحزب في حق مخالفين من محازبيه، ولم يفصح عن طبيعتها، بغرض حماية العائلات والأفراد من تداعيات هذا الكشف. لكن العائلات نفسها تتحمل مسؤولية الكشف حين تلجأ إلى مواقع التواصل الاجتماعي بغرض الحديث عن "مظلومية" أحد أفرادها. على أن الالتباس حول هوية الطرف المباشر في اطلاق المعركة ضد الطرف الآخر، لا يلغي حقيقة جديدة بأن المعركة تخاض على جبهتين. جبهة حزب الله وجبهة خصومه. ثمة مسرح جديد ينطلق الحزب باتجاهه الآن. مسرح غير تقليدي، أوعز نصر الله بالانتقال اليه لمواجهة حملة اعلامية تستكمل ضده عبر مواقع التواصل. لكن المسرح الجديد، وخلافاً لتجارب الحزب العسكرية التي حقق فيها انجازات، هو مسرح أكثر تعقيداً وصعوبة. لا يستطيع ضبط المناصرين فيه، كما يضبط العسكر. ولا يستطيع ضبط الخصوم أيضاً. هي حرب مكلفة بالسمعة، وارتداداتها مباشرة عليه، ما يفقده الآن أي مدافع عنه، لأن النتائج محصورة فيه.