وكأننا نسينا كل المحاضرات العسكرية التي شّنف بها اذاننا الخبراء العسكريون الاستراتيجيون الاشاوس، والتفاصيل الدقيقة جدا عن قدرات المنظومة الصاروخية الروسية المسماة S400 يومها (مع خطين تحت الـ 400)، الموجودة الآن على الاراضي السورية ومنذ حوالي الأربعة سنوات.
وإن كنت أنسى يومها فلا أنسى "تشبيرات" الدكتور ناصر قنديل خلف الشاشات ومن على المنابر وهو يلولح بكلتا يديه محاولاً تحديد المسافة الفضائية التي يغطيها ويحميها هذا النوع المتطور من منظومة الدفاع الجوي، وما قيل يومها عن بدايات مرحلة جديدة من الصراع مع العدو الاسرائيلي الغاشم وحالة الاضطراب والقلق الشديدين بسبب تواجدها على مقربة من فلسطين المحتلة وتحديداً في جغرافيا سوريا الأسد.
إقرأ أيضًا: الحصان الروسي وبغل الممانعة
وكما جرت العادة، ومع مرور الأيام عادت الغارات الاسرائيلية، وحتى صواريخ التوماهوك الأميركية تضرب في سوريا من جديد وما عدنا نسمع عن S400 ولا من يسمعون، وبلغت الغارات الصهيونية مبلغها، وعددها وصل حتى المئات وذهبت شوبرات ناصر قنديل واضرابه مع الرياح.
والمسرحية نفسها تتكرر هذه الأيام، والبطل هو الـ S300 هذه المرة، وبعيداً عن التفاصيل العسكرية المملة المتعلقة بهذا النوع المتخلف من الصواريخ، وصناعتها التي تعود الى عام 1975 من القرن الماضي، والحكايات الأسطورية التي عدنا نسمعها مرة جديدة، بعيداً عن كل هذا، فإن ما لفتني هو هذا الخداع الاسرائيلي وما يساق في هذا المجال عن عودة القلق والخطر الوجودي والاستنفار غير المسبوق عند العدو وكل هذا الكلام المنسوب الى الإعلام الصهيوني نفسه، وعلى لسان كبار قادته فينطرب لسماعها جمهور الممانعة ويسكر على أنغامها لدرجة تناسيه الحديث حتى عن الأهداف التي ضُربت في اللاذقية فضلاً عن المطالبة بالرد المزلزل بالزمان والمكان المناسبين!
إقرأ أيضًا: ما تركتك يا بشار
للأسف، لم نتعلم نحن الشعوب العربية طرق الخداع الصهيونية، وأنه لا يمانع البتة من إعطاء خصمه انتصارات خنفشارية لا تسمن ولا تغني من غارات، طالما أنه يحقق هو أهدافه ومراده، تماماً كما أعطى الراحل أبو عمار انتصاراً "ضخماً" حين رضخ لمطلبه بعد جدال طويل حين سمح لمقاتلي منظمة التحرير بإصطحاب سلاح B7 على السفن التي تشحنهم الى تونس!
والآن إذا ما لاحظنا كيف تحول النقاش العام كله، من الإدانة للغارات الاسرائيلية، وعن طبيعة الاهداف المدمرة في الساحل السوري وعدد القتلى وطبيعة الرد المفترض، تحول كل هذا الى الحديث عن الـ S300 وخطورته واهميته وما سوف ينتج عنه بحال قدومه الى سوريا متناسين حتى تواجد أخيه الأكبر الـ S400، إذا ما لاحظنا كل هذا التحول نكاد ندرك أن رواية الـ S300 وما يرافقها وما يسبقها ما هي إلا خديعة اسرائيلية جديدة، ولا أستبعد أن يكون الحديث حوله هو مطلب إسرائيلي أيضاً.