بعد الإصلاح في الأرض انطلق التيّار للإصلاح في الجو بقوّة العائلة الحزبية المحركة للطاقات والإمكانيات والتي أعادت بناء الدولة وفق معايير فرنسية كان قد استلهمها التيّار أيّام غربته القسرية في الغربة ووعد أن يطبق شعارات الثورة الفرنسية من لحظة الوصول الى السلطة.
نجح في التطبيق فكان لبنان أخو فرنسا أو توأمها وروحها في الشرائع والحقوق. لقد ناضلنا وتحقق أخيراً ما صبونا اليه من صون للحريات والواجبات المتبادلة ما بين المواطن والدولة لهذا لم نعبأ بالخسائر الفادحة التي منينا بها جيلاً بعد جيل طالما أن النصر كان لنا كعادته لكثرة الكُهان الذين يدعون لنا بالنصر فيستجيب لهم إله النصر لأن دعاءهم مستجاب فهم أولى الناس به لتفرغهم لعبادة الهيكل وإشعال بخور الشهادة.
ربحنا خوض المعارك المتكررة والمتعددة وبنينا الوطن بحجارة الدولة الوطنية بعد أن هدمت أحجارها طوائف متعددة سكنت لبنان كجغرافيا ورفضته كتاريخ كونه لقيطاً على ملاجىء الحرب العالمية الثانية وبدون تردد أو تحفظ نعلن عن وصولنا الى غاياتنا التامة في لبنان على أيدي سياسيين بررة نجباء تمكنوا من الأخذ بأيدينا الى شاطىء الدولة بعد عبور مكلف على جسر المزارع القائمة والحائلة دون قيام الدولة الراعية للبنانيين لا لمزارعهم المنتشرة باسم الطوائف.
إقرأ أيضًا: الأهواز فيلم مركّب
لم نكن نعلم أن بطن الوطن قد خبأت لنا ولادات من جهابذة التاريخ لا يقارنون بأسماء عمالقة من عمالقة التاريخ السياسي الغربي وقد اتضح قصر قامات رجالات لبنان الاستثنائيين أمام هذه القامات الطويلة فما عاد تاريخ وتجربة كل من فؤاد شهاب وكمال جنبلاط ورشيد كرامي وكميل شمعون ونبيه بري تغري أو تثري لبنان بعد هذه الكوكبة المضيئة من سياسيي الأمّة ممن تفتخر بهم الأمم بعد أن استفادت منهم التجمعات والتشكيلات الدولية والاقليمية والعربية.
لقد حسدتنا دول العالم على سرعة انجازنا بعد حروب طاحنة ولم تتردد دول كاليابان وألمانيا في المجيء الى لبنان للإطلاع على طبيعة الإنجاز التاريخي لبناء دولة من قامة أهم الدول الديمقراطية في العالم والتي جعلت دخل الفرد في لبنان من طليعة الدخل للأفراد في الدول المتقدمة في حين أن اليابان و ألمانيا قد طوّلوا كثيراً في النهوض من ركام الحرب مقارنة مع لبنان الذي شهد نخبة غير عادية تملك من فنون الإبداع ما لا تملكه نخب ألمانيا وفرنسا حتى الجامعات الكبرى قد تركت كتب ماركس وانجلز وآدم سميث وهيوم وقرروا البدء بتدريس كتب لعظام من نخبنا السلطوية تكريماً لعقولهم النيرة في إخراج لبنان من الظلمات الى النور بعد أن عجزت فحول العرب والغرب عن ذلك.
إلى جانب هذه النخبة العظيمة هناك نخبة أخرى ولكن بطريقة مختلفة وهي تقوم بالتشجيع الدائم للنخبة المذكورة فتصفق لها وتغني لها رغم أن الغناء حرام في قاموسها الفقهي الا أن قاعدتها الفقهية تبرر لها أي فعل تراه مناسباً كون الضرورات تبيح المحظورات وكثرة الضرورات أسقطت كل المحظورات فباتت هذه الطائفة من السياسيين لا تجيد سوى فن الغناء للفساد الذي تلعنه ولكنها تصب عليه زيت القديسين لتشعل شموعه للمؤمنين الهائمين بدنيا الفناء.
لقد بات أعضاء هذه الكتلة من أهم الملحنين والمغنين وقد استلموا جوائز عديدة من أهل الفن خاصة و أن بعضهم يداوم على الزيارات الاجتماعية لأهل الطبل والربابة وبات ذو شأن وخبرة في الليالي الملاح وكانت آخر موضات هذه النخبة المختارة بعناية التغني بالتيارات المائية والكهربائية وبالطيارات الورقية مرددين مع فيروز: طيري يا طيارة طيري يا ورقة وخيطان...