الكباش السياسي مستمر حكومياً. كل تصعيد يقابله تراجع، والعكس صحيح. باستثناء موقف رئيس الجمهورية ميشال عون والتيار الوطني الحر. الرئيس سعد الحريري يحاول اقناع بعض القوى، لا سيما القوات اللبنانية والحزب التقدمي الاشتراكي، بتقديم تنازلات، فتراوح مواقف الطرفين بين التصعيد تارة والتراجع طوراً. دورية هذه المواقف قد تقود الحريري إلى تقديم صيغة جديدة تتلاقى مع ملاحظات رئيس الجمهورية، ولكن تحوي بعضاً من حفظ ماء الوجه بالنسبة إلى القوات والاشتراكي. حفظ ماء الوجه قد لا يوافق عليه رئيس الجمهورية، لذلك قد يرفض تلك الصيغة ويتشدد أكثر للحصول على تنازلات أخرى طالما أن مسار التنازلات قد بدأ.
كان المؤشر في تراجع رئيس الحزب الاشتراكي وليد جنبلاط. صحيح أن غاية جنبلاط كانت تخفيف الاحتقان على الأرض، وقطع الطريق على أي توتر درزي مسيحي في الجبل، لكن بمجرد الإعلان عن تهدئة وخفض السقف السياسي، فهذا يعني أن هناك مؤشرات تراجعية. وهذه مبنية على جملة معطيات. تكشف مصادر مطّلعة أن جنبلاط يفكّر في التراجع عن مطالبته بـ3 وزراء دروز، والتراجع عن وضع الفيتو على توزير النائب طلال ارسلان، لعلمه أن لا رئيس الجمهورية ولا التيار ولا النظام السوري سيتراجعون عن هذا المطلب.
تراجع جنبلاط سينطلق من فكرة أساسية، هي بعدم منح ارسلان أي حقيبة، أي أن يكون وزير دولة، مقابل أن يحصل هو على وزيرين درزيين وثالث مسيحي. وتقول المصادر إن الكرة في هذا المجال ستكون في ملعب رئيس الجمهورية، لأن رئيس الحكومة المكلف سعد الحريري لن يؤثر في هذا الموضوع، بل همّه تشكيل الحكومة، وهو لن يتقدم ولن يتراجع. فيما الأساس يبقى لدى القوات، لا سيما في ظل من يحاول سحب فتيل التصعيد من يدها، عبر إعادة طرح منحها نائب رئيس للحكومة ويكون في الوقت نفسه وزير دولة، بالإضافة إلى 3 وزراء. وهذا الطرح يعود إلى التداول في بعض الكواليس.
قرأ جنبلاط هذه الشيفرة، واعتبر أن القوات قد تتراجع أمام هذا الطرح، لذلك استبق التراجع وأبلغ بعض المعنيين والوسطاء بهذا الأمر. كل هذه المداولات، ستوصل إلى طرح جديد قد يرفضه رئيس الجمهورية لأنه لا يريد أن يعطي جنبلاط وزيراً مسيحياً، ولا يريد أن يكون ارسلان وزير دولة. هو يريد منح جنبلاط حقيبة واحدة ووزير دولة. وحملة الضغط ستستمر على جنبلاط وجماعته في سوريا ولبنان، ويدخلون معه في حرب استنزاف.
كل هذا الضغط له إشاراته وانعكاساته الخارجية. وهذا مطلب النظام السوري، لتحجيم جنبلاط وإظهار خسارته رهاناته. لذلك، لجأ جنبلاط إلى تكتيكين، الأول استمرار علاقته بالرئيس نبيه بري والإشارة والإشادة بالموقف الذي سرّب للنائب ياسين جابر. مقابل انفتاحه على الحوار مع العونيين، من خلال تشكيل لجنة يشرف عليها المدير العام للأمن العام اللواء عباس إبراهيم. وقد وافق جنبلاط على الطرحين، إنطلاقاً من خلفيتين، الأولى الالتفاف على النظام السوري، بالقول لحزب الله إنه مستمر بالعلاقة مع التيار من خلال اللواء إبراهيم، والثانية الارتكاز إلى هذا الحوار لتخفيف التشنج وحرب الاستنزاف، وتحصيل ما يمكن تحصيله عوضاً من أن يبقى وحيداً.
وتكشف المصادر أن هناك قناة اتصال أخرى، أكثر أهمية وخصوصية بين جنبلاط والتيار الوطني الحر، غير هذه اللجنة التي سيجري تشكيلها لمتابعة الأوضاع على الأرض او لتخفيف التوتر، إذ إن يشير بعض المصادر إلى أن هذه اللجنة لن تؤدي إلى أي تغير سياسي بين الطرفين، وكل ما يجري الحديث عنه من أرواق وتفاهم وغيره ليس واقعياً. وتقول المصادر إن قناة الاتصال السرية، هي التي تعمل على توفير التوافق حول الحصص الحكومية بين جنبلاط والتيار، وهي مبادرة يطّلع بها صاحب إحدى المؤسسات الإعلامية الكبرى.