وتعتمد «القوات» في هذه المواجهة تكتيك التصويب على رئيس «التيار» الوزير جبران باسيل حصراً، وبالتالي تركّز على الفصل بينه وبين رئيس الجمهورية ميشال عون وقواعد «التيار»، علماً أنّ محاولة الفصل هذه لا تُقنع الكثيرين ممّن يعتقدون أنّ باسيل يترجم نبض «الشارع البرتقالي» ويعكس في معظم الأحيان ما لا يستطيع عون أن يقوله.
والأرجح أنّ «القوات» نفسها عير مقتنعة ضمناً بهذه المقاربة، ولكنها تعتقد أنّ التمسّك بها يحول دون انزلاقها الى صدام مباشر مع عون، أو يؤجّله على الأقل، مفضّلة أن تظلّ معركتُها محصورةً ضد باسيل في الوقت الحاضر، لأنها تفترض أنّ ذلك أجدى لها، ويسمح لها بتموضعٍ سياسيٍّ أفضل في ظلّ خلافات رئيس «التيار» مع قوى سياسية عدة.
وتحاول «القوات» أيضاً تمييز «تفاهم معراب» المتداعي بمختلف طبقاته عن المصالحة المسيحية، وهي لا تزال تصرّ على أنّ المصالحة في خير وإن كانت جسور الحوار السياسي مقطوعة مع باسيل وإعلام الطرفين يتبادل الحملات وأشدّ الاتّهامات، منطلقة من أنّ الوجدان المسيحي يرفض سقوط المصالحة ويصرّ عليها وان طرفيها أصبحا غير قادرين على التنصّل منها.
والى أن تصبح المصالحة من لحم ودم، وليست مجرد طيف، فإنّ جمر النزاع السياسي بين الطرفين لن يبرد، وجبهة معراب - الشالوحي ستبقى متوترة، يغذّيها التعارض في الحسابات والخيارات حيال استحقاقات عدة، منها الراهن ومنها المؤجّل.
وفيما كان مصدرٌ بارز في «التيار» قد اتّهم «القوات» بـ»نحر» العهد وموقع الرئاسة، يؤكد مصدر قيادي في «القوات» أنها «ما اعتادت على الطعن في الظهر وهي حين تريد المواجهة تصوّب على الصدر، «ولو أرادت طعن العهد ما كانت لتساهم أصلاً المساهمة الأكبر في انتخابه، وبالتالي لا يوجد عاقل يمكن أن يساهم في انتصار أحدهم ثمّ يبادر الى نحره».
ويعتبر المصدر «أنّ مَن يطعن العهد والمسيحيين في الحقيقة هو الوزير جبران باسيل عبر معادلاته غير المسبوقة في علم السياسة وأدبياتها»، متسائلاً: «هل «القوات» نحرت العهد حين أيّدت مراسيم التنقيب عن النفط ودعمت قانون استعادة الجنسية وغيرهما؟ وهل يجوز أن يصبح أيُّ اعتراض على سلوك باسيل بمثابة اعتراض على العهد وتهديد له؟ وهل «حزب الله» الذي هو صديق العهد وباسيل طعنهما عندما تقاطع مع «القوات» في الموقف ضد بواخر الكهرباء؟
ويدعو المصدر «القواتي» باسيل الى «التوقف عن التلطّي خلف العهد عندما يتعرض الى ملامة أو يقوم بمعصية سياسية»، ناصحاً إياه بأن يجري استطلاع رأي لتحديد اتّجاه الشارع اللبناني عموماً، والمسيحي خصوصاً، «ومعرفة حقيقة رأيه في مَن ينحر العهد عملياً ومَن يريد حمايته حقاً وفق المبادئ التي على أساسها انتخبت «القوات» الرئيس ميشال عون وتحالفت مع باسيل في إطار «تفاهم معراب».
ويلفت المصدر القيادي في «القوات» الى أنه كلما طرح باسيل معادلة للتوزيع الحكومي كان هو أوّل مَن يتراجع عنها، مضيفاً: «يلحظ اتّفاق معراب توزيع الحصة المسيحية في الحكومة بين 6 وزراء لـ «القوات» وحلفائها و6 وزراء لـ»التيار» وحلفائه و3 وزراء لرئيس الجمهورية، غير أنّ باسيل انقلب على الاتفاق».
ويتابع المصدر: «بعد ذلك، اقترح باسيل معادلة وزير لكل 4 نواب، فوافقنا عليها وترجمتها التطبيقية حصول «القوات» على 4 وزراء، والعهد و»التيار» على 8، لكنه ما لبث أن تنصّل منها ايضاً. ثم دعا باسيل الى احتساب الأحجام الوزارية على قاعدة أنّ «التيار» والعهد نالا خلال الانتخابات النيابية الاخيرة 55 في المئة من أصوات الناخبين المسيحيين و»القوات» نالت 31 في المئة منها، فقبلنا على رغم عدم إقتناعنا بصحّة الأرقام، وهذه المعادلة تفضي الى تمثيلنا بـ5 وزراء إلّا أنه عاد وصرف النظر عنها، وقبل أيام طرح قاعدة وزير لكل 5 نواب، ونحن نؤيّدها على أساس تطبيقها بالمساواة بين الجميع، بحيث تكون حصة «القوات» 3 وزراء، والعهد و»التيار» 6 وزراء لأنه لا يصحّ احتساب حصة العهد مرتين، وتبقى 6 مقاعد نبحث معاً في طريقة توزيعها وصولاً الى اشراك جميع المسيحيين في السلطة، ولكنّ الأرجح أنّ باسيل سيتراجع كذلك عن هذه المعادلة».
ويشدّد المصدر البارز في «القوات» على «أنّ القاعدة العادلة والموضوعية التي يجب أن تُعطى لها الأولوية في تحديد الأوزان الوزارية هي إرادة الشعب لا حسابات باسيل، ووفقاً لهذا المعيار تبيّن أنّ ثلث المسيحيين انتخبوا «قوات» صافية، ما يعني أننا نستحق نيل ثلث الوزراء المسيحيين أي 5، ولا مانع لدينا في أن يأخذ رئيس الجمهورية ما يشاء، لأنّ المشكلة لم تكن يوماً مع الرئاسة». ويشير الى «أنّ باسيل محقّ في أمر واحد وهو أنّ «اتفاق معراب» كلٌ لا يتجزّأ، وبالتالي فإنه لا يستطيع أن يأخذ منه رئاسة الجمهورية ويهمل تنفيذ البنود الاخرى، من البند «ز» الذي يلحظ تشكيل لجنة مشتركة لتحديد سياسات العهد وحمايته، وصولاً الى البنود الأُخرى المتعلّقة بتنظيم الشراكة الوزارية والإدارية في السلطة بين الجانبين».
ويشدّد المصدر على «استمرار التزام «القوات» بـ»تفاهم معراب»وبالمصالحة المسيحية، وهي تعرف، وكذلك باسيل يعرف، المشاعر الإيجابية السائدة حيالهما لدى أعضاء الحزبين ومناصريهما، الى جانب الشريحة المسيحية المحايدة، في لبنان والاغتراب، ونتحداه أن يجري استطلاعاً للرأي في هذا المجال».
وفي محاولة للتمييز بين باسيل وقواعد «التيار»، يؤكد المصدر «التمسّك بالروابط المسيحية والأخوية بيننا وبينها، لأننا أبناء مجتمع واحد وقضيّتنا لم تكن يوماً ولن تكون ضد «التيار» وفي مواجهته»، معتبراً «أنّ هناك حاجة الى ادارة حكيمة للثنائية المسيحية، كما نجح الرئيس نبيه بري والسيد حسن نصرالله في ادارة الثنائية الشيعية»، لافتاً الى «ضرورة ملاقاة باسيل لجعجع والتخلّي عن الأنانيات حتى يُكتب النجاح لهذه التجربة لأنّ يداً واحدة لا تصفّق».