أولاً: الموازنات الضخمة في عهدة الرؤساء ...
لعلّ العلّة المخفية والطّامّة الكبرى في هدر (بعض) المال العام ونهبه، لا تقتصر على وفد رئاسي أو نيابي أو وزاري كبيراً كان أو صغيراً، بل هي تكمُن في الموازنات الضخمة التي تُرصد سنوياً في الموازنة العامة للرئاسات الثلاث، وتوضع في عهدة كُلٍّ من رئيس الجمهورية ورئيس مجلس النواب ورئيس الحكومة لتُصرف بلا حسيبٍ ولا رقيب، ويُضاعف الأمور سوءاً أعداد الأمنيّين الغفيرة التي تُلحق بالحرس الجمهوري وحرس مجلس النواب (أعداد خيالية)، والقوى الأمنية التي تُلحق برئيس الوزراء ووزير الداخلية، وهكذا يتمكّن الرؤساء الثلاثة، كلّ واحدٍ حسب منصبه وموقعه ومسؤوليّته وضميره من صرف هذه الموازنات الضخمة التي تمُرّ في مجلس النواب بضربة مطرقة ومُفردة: صُدّق، وبعد ذلك لا يجرؤ أحدٌ على دخول هذه المغارات الثلاث التي تعجُّ ب"الحرامية" من كلّ حدبٍ وصوب، ومن كلّ لونٍ وعرق.
إقرأ أيضًا: سامي كليب..يُحاول أن يُفهم زملائه الممانعين أنّ بوتين ليس نصرالله
ثانياً: اللبنانيون الغافلون الصابرون...
يقف اللبنانيون هذه الأيام (بعد أن ذُهلوا لضخامة الموكب الرئاسي إلى الأمم المتحدة)، وقد أُصيبوا بالدُّوار من تلاطم المصائب فوق رؤوسهم، وتعثُّر تأليف الحكومة ماثلٌ أمام الجميع، فتتراوح مواقفهم بين الاستسلام للفقر والعوز أو الرفض والتّمرُّد (عبر مواقع التواصل الاجتماعي محدود الفعالية)، أو الانخراط في الزُّهد والتّصوُّف والنّدب واللّطم، بإنتظار قيامةٍ ما على يد مُنقذٍ ما، سواء كان فرداً أو حزباً أو تنظيماً، هذا في حين ينصرف الحُكّأم ومعهم النافذون في القضاء والإدارة وأجهزة الأمن، فضلاً عن تُجار البشر والسلاح والمخدرات، وأمراء الدين وأصحاب المصارف، ومُروّجو الأوهام والايديولوجيات الزائفة على تكريس جهودهم للبحث المحموم عن العظمة والثروة والانغماس في المُتع والملذات.
إقرأ أيضًا: وكان السُّنّةُ والشيعة في غنىً عن خلافٍ حاد حول تسمية شارع
ثالثاً: أبو حيّان التوحيدي ..الرّعيّةً والحاكم...
يورد التوحيدي في كتابه "الإمتاع والمؤانسة" قولاً منسوباً لأبي سليمان المنطقي يُردّدُه على مسامع أحد الوزراء:
قال: ولو قالت الرّعية أيضاً: ولم لا تبحث عن أمرك؟، ولم لا تسمع كلّ غثّ وسمين منّا؟ وقد ملكت نواصينا، وسكنت ديارنا، وصادرتنا على أموالنا، وحُلت بيننا وبين ضياعنا، وقاسمتنا مواريثنا، وآسيتنا رفاغة العيش،وطيب الحياة،وطمأنينة القلب، فطُرُقنا مخوفة، ومساكننا منزولة، وضياعنا مُقطّعة، ونعمنا مسلوبة، وحريمنا مُستباح، ونقدُنا زائف، وخراجنا مضاعف، ومعاملتنا سيّئة، وشُرطيُّنا مُنحرف، وجُنديُّنا مُتغطرس، ومارستاناتنا خاوية، واعداؤنا مستكلبة، وعيوننا سخينة، وصدورنا مغيظة، وبليّتنا متّصلة، وفرحنا معدوم.
ما كان الجواب أيضاً عمّا قالت وعمّا لم تقُل، هيبةً لك وخوفاً على أنفسها من سطوتك وصولتك؟