لمن لا يعرف، فالبغل هو خليط بين أنثى الحصان "الفَرس" وبين ذكر الحمار، فتأتي النتيجة بمخلوق حيواني هجين يطلق عليه اسم البغل، فلا هو حمار ولا هو حصان، وهو حيوان عقيم، يتصف بالعناد، فيقال: "عنيد كالبغل". وعندما يقسو عليها سائسها وهي سائرة في أعالي الجبال ترمي بحملها وتنتحر رامية بنفسها من فوق الجبل.
ويقول المثل الشعبي الشائع في هذا السياق، انه عندما سئل البغل عن أبيه (الحمار) من يكون، فكان جوابه بأن خالي هو الحصان.
إقرأ أيضًا: الحصان الروسي وبغل الممانعة
ولأن المثل يُضرب ولا يقاس، فإن هذا تماماً ما أصاب محور ما يسمى بالممانعة، فمنذ حادثة إسقاط الطائرة الروسية "ايل 20" في سوريا بعد الغارات الإسرائيلية على منشآت صناعية في الساحل السوري (اللاذقية)، وإعلام هذا المحور يقدم لنا روسيا وكأنها سيف الله المسلول الذي سينقض على رقبة العدو الصهيوني لبتر رأسه.
ويتبجح هذا الإعلام وكأن تحوّل ضخم طرأ فجأة على مجريات الأحداث في المنطقة سيقلب الأمور رأساً على عقب، وأخذ هذا المحور المسكين كما العادة، بنسج أوهام وآمال وأحلام، حول الحادثة ولم يمر يوم إلا ونسمع حكايات أشبه بحكايات ألف ليلة وليلة، ليس لها أثر إلا في مخيلة مطلقيها تماماً كتلك التي سمعناها عن توحيد الجبهات بين الجنوب اللبناني والجنوب السوري، وعن صواريخ وهاب وتدمير مطارات العدو، وأن بعد التيفور ليس كما قبلها، وأن بعد سقوط ال ف - 16 ليس كما قبله فالمعادلة تغيرت ولا غارات بعد ذلك التاريخ، ومسدس قنديل وإسقاط الصاروخ و و و.
إقرأ أيضًا: الحُسين (ع)، بين معوض و الرويس
كل هذا الإتكال على الرد الروسي المنتظر ممانعتياً، واعتبار أن الإمتعاض الروسي هو بداية البدايات فقد انتقلت روسيا بقدرة قادر إلى العدو رقم واحد لاسرائيل وعلى هذه الاخبار ينتشي جماعة الممانعة ويسكرون يومياً في حين أن المتابع لبيانات الدولتين بعد الحادثة يدرك سريعاً بأن هذا الهروب ما هو إلا كجواب البغل عن أبيه.
فأقصى ما تقدر عليه روسيا هو تصريح الأمس بأن إيران ومقاتليها قد انسحبوا إلى مسافة 140 كلم عن الحدود مع الكيان الصهيوني، كطلب إستجداء لإسرائيل بأن لا حاجة لك بعد اليوم للإعتداء على الأراضي السورية، وما العتب الروسي على اسرائيل إلا لأنها لم تبلغهم عن الهجوم الا قبل دقيقة واحدة مما لم يسمح لهم بسحب طائراتهم إلى أماكن آمنة كما جاء ببيان وزارة الدفاع الروسي.
يبقى القول أن كل هذه البروبوغاندا وما يساق عن تحول إستراتيجي في التوجهات الروسية، وتجاهل التحالف التاريخي مع كيان العدو، لا يدل إلا على وهن وضعف هذا المحور وعجزه التام أمام الضربات اليومية التي تستهدف التواجد الإيراني في سوريا بدون أي ردة فعل على الإطلاق، ومحاولة إستبدال هذا الوهن والإستكانة بالقول: "أن الروسي خالهم!!!"