ما الذي أتى برئيس جهاز الأف بي آي FBI إلى بيروت؟ لا يمكن للسؤال أن يكون عابراً، كما لا يمكن للزيارة أن تكون عادية أو روتينية. هذا النوع من الزيارات عادة ما ينطوي على خفايا كثيرة. ولو كان هدف الزيارة روتينياً، فإن رئيس هذا الجهاز يرسل أحد مساعديه. أما أن يأتي شخصيّاً، وعلى أعتاب دخول العقوبات الأميركية على القطاع النفطي الإيراني حيز التنفيذ، فلا بد أن للزيارة معاني كثيرة، خصوصاً أنها المرة الأولى التي يزور فيها مسؤول أميركي في هذا الموقع لبنان ويلتقي مسؤوليه.
صحيح أن الرجل تحدّث عن أهمية العلاقات اللبنانية الأميركية واستمرارها، وعن دعم واشنطن للبنان والجيش، ولكن هذا الكلام يندرج في إطار الروتينيات. ولا بد من الإشارة إلى أن برنامج التعاون بين هذا الجهاز والدولة اللبنانية محدود. وهناك من يشير إلى أن هدف الزيارة يرتبط بالعقوبات على إيران وحزب الله، وبوجوب التزام الدولة اللبنانية بها، مع الإشارة إلى ضرورة رفع الغطاء على كل من يعمل على تبييض أموال حزب الله. الغاية الأميركية الأساسية هي نزع الغطاء عن التبييض الشرعي للأموال من جانب مؤسسات مصرفية وشركات مالية تدوّر أموال الحزب. وهذا جزء من العقوبات الجديدة التي ستكون أقسى من العقوبات السابقة.
الأساس في الزيارة، وفق مصادر متابعة، تركز على تعزيز التعاون الاستخباري بين لبنان وواشنطن، لمواجهة الإرهاب وتبييض الأموال، بالإضافة إلى تطبيق العقوبات الأميركية المفروضة على حزب الله، والتزام الدولة اللبنانية بها، بطريقة لا تسمح بأي مناورة في هذا المجال. واللافت أن زيارة هذا المسؤول تتزامن مع موقف بارز للأمين العام لحزب الله السيد حسن نصرالله، بشأن ضرورة مواجهة العقوبات على الحزب وضرورة مساندة إيران في مواجهتها هذه العقوبات.
بالتزامن أيضاً، جاء من البرازيل خبر اعتقال أسعد بركات المتهم بتمويل حزب الله. ولكن اسم بركات ليس جديداً، بل هو مدرج منذ العام 2004 على لائحة العقوبات. والأساس هنا هو مدى الضغط على البرازيل التي سلّمت هذا المطلوب للأميركيين. والمشكلة لبنانياً، بالنسبة إلى الأميركيين، هي في مَن لا يتعاون معهم بإجراءاتهم. ولذلك يتركّز الضغط على بعض المسؤولين والمواقع، مقابل استمرار تأمين الحماية لحاكم مصرف لبنان رياض سلامة لتعاونه معهم. ولذلك، هناك مسار للضغط على الدولة اللبنانية لعدم التعرض لسلامة.
في نهاية الشهر الجاري، يدخل لبنان عملياً في مرحلة تطبيق العقوبات التي أقرتها واشنطن قبل أشهر، والتي تشمل أي شخص يتعاطى مع الإيرانيين وحزب الله، وإن لم يكن هو مدرجاً على لائحة العقوبات. وهذا تطور جديد وخطير، ينذر بتصعيد كبير على الصعيد المالي وسيكون له انعكاساته السياسية. وتكشف مصادر متابعة أن هناك ضغوطاً كبيرة على المصارف لإقفال حسابات مصرفية تابعة لحزب الله وإيران أو مقربين منهما. ولا شك في أن هذا الإجراء سيكون خطير جداً، لكونه موجعاً وقد يستدعي ردّاً من جانب الحزب وإيران. فيما هناك في لبنان من يبحث عن مخارج أو التفافات على هذه الإجراءات.