كان رئيس «اللقاء الديموقراطي» وليد جنبلاط يتوقّع أن يخرج الحريري بموقفٍ علنيّ واضح يقرّ فيه أنّ استرجاع موقع محسوب من حصة «تيار المستقبل» في وزارة التربية، كما حصل بتعيين آمال شعبان مكان هيلدا خوري المحسوبة على «التيار الوطني الحر» في رئاسة دائرة الامتحانات الرسمية، هو قرارٌ «حريري» صرف، مسؤوليةُ الوزير مروان حمادة اقتصرت على التوقيع عليه فقط، وأن يبادر ويتصرّف لمعالجة ذيول «حرب الإقالات».
لكنّ هذا ما لم يحصل. جنبلاط غير المعني بحسابات الحريري في الإدارات والوزارات تلقّى صفعةً قاسية من الفريق العوني بإزاحة موظفَين درزيّين من موقعهما إنعكست توتراتٍ في الجبل ومواقع التواصل الاجتماعي، لكنّ وساطة مدير عام الأمن العام اللواء عباس ابراهيم دخلت على خط بعبدا-كليمنصو لتهدئة النفوس وتبريد الأرض من خلال اللجنة الأمنية الحزبية الثنائية.
ويبدو أنّ أولى مهام مفوض الداخلية هشام ناصر الدين ورومل صابر نائب رئيس «التيار» استيعاب التراشق الكلامي أمس بين جنبلاط ووزير الطاقة سيزار ابي خليل بعد تبنّي الأول لكلام النائب ياسين جابر!
بطلب شخصي من جنبلاط، كما تفيد المعلومات، دخل ابراهيم وسيطاً بين الخصمين. هي ليست المرة الأولى التي يدخل فيها الأخير على خطّ العلاقة المتوترة بين الحزبين. فعل ذلك أكثر من مرة آخرها في تشرين الثاني من العام الماضي حيث تكفّلت وساطة الأخير في تأمين زيارة «هادئة وآمنة» للوزير باسيل الى الشوف بمشاركة من قواعد «الاشتراكي».
«الوسيط» ابراهيم كان نفسه ضحيّةً لاستهداف مباشر من جنبلاط قبل سنوات عدة، تحديداً حين نفّذ الأمنُ العام أوّلَ عملية أمنية له بتوقيف شادي المولوي. يومها إنتفض زعيم المختارة ضد «التجاوزات» بحق المتهم بالإرهاب «من غير أصحاب الصلاحية»، حيث ناصر جنبلاط الداعين الى إطلاق سراحه، ثم ما لبث أن ندّد بترحيل الأمن العام سوريين صدرت بحقهم أحكامٌ قضائية. وصل الأمر يومها الى حدّ مطالبة «البيك» باتّخاذ إجراءات مسلكية بحق إبراهيم وصولاً الى «المطالبة بإقالته»!
في الوقت الراهن العلاقة بين «اللواء» و»البيك» توصف بـ «الممتازة»، ولأنّ هاجسَ جنبلاط الأساس أمن الجبل، سيتركّز عمل اللجنة على تدارك أيِّ احتكاك على الأرض، بإشراف مباشر من ابراهيم الذي سيحاول في الوقت نفسه تقريب المسافات بين عون وجنبلاط.
قبل أن تحطّ الهدنة العونية-الاشتراكية رحالها قالها «البيك» مراراً «عون ما بتفرق معو وبروح للآخر، لكنّ الجبل خط أحمر عندي». كبرى مخاوف جنبلاط كانت في «دخول طابور خامس على الخط يعيد الجبل الى أجواء الحرب الأهلية».
حكومياً، ما سيفسّر ليونة وتنازلاً جنبلاطياً في مسألة الحصص والحقائب ليس إلّا نبشاً لاقتراح كليمنصو منذ البداية: وزيران درزيان يسمّيهما وليد جنبلاط، والثالث بالتوافق مع الحريري، وهو الأمر الذي أبلغه سابقاً الزعيمُ الدرزي للرئيس نبيه بري.
إنضمامُ النائب طلال إرسلان الى التشكيلة الحكومية غيرُ وارد بأيِّ شكل من الاشكال، فيما المبادلة بوزير مسيحي مع رئيس الجمهورية يصطدم بممانعة الأخير. بالتأكيد، لن يُقدم جنبلاط، وفق أوساطه، على هذه الخطوة إلّا بعد أن تُحلّ العقدُ كافة ويصبح مصيرُ الحكومة معلّقاً بـ «كلمة» من «البيك»!
القريبون من جنبلاط يجزمون «العقدةُ الدرزية إختراعٌ عونيّ محض. أما الحديث عن «سلاح» الميثاقية الذي قد يلجأ اليه جنبلاط فهذا السيناريو غيرُ وارد، إذ إنه لم يستخدمه يوماً، بعكس القوى السياسية الأخرى»!
جنبلاط الخبير في اللعب على حافة الهاوية وترك التوتر مع خصمه «المفترض» يصل الى المنطقة المحظورة، ليعيدَ بعدها ترتيبَ حساباته على قاعدة «الحوار أوّلاً»، يكاد يكون حاسماً في ملفات أخرى لا يقبل بها النقاش أو تركها عرضةً للأخذ والردّ، كدفاعه حالياً عن ضابط درزي متورّط في قضية رشاوى و»آداب». في مجالسه الخاصة يعترف «يكفيني إستهدافات من كل صوب، أنا بغنى عن جبهة أخرى تفتح بوجهي»!
عملياً، تزامنت قراراتُ «المعاملة بالمثل» وحرب الإقالات وأجواء الاحتقان الطائفي في «العالم الافتراضي» والواقعي، مع قضية طارئة فرضت نفسها على «بيك المختارة» أصدر فيها حكماً مبرَماً غير قابل للطعن!
فالتحقيقات التي أُجريت في ملف تورّط رئيس مكتب الآداب العقيد ج.ح في عملية إبتزاز وقبض رشاوى من رجل أعمال مرتبط بإدارة فنادق للدعارة كشفت تورّط أكثر من ضابط وعسكري بينهم العقيد و. م المحسوب على «الاشتراكي».
لم يتوان جنبلاط، وفق قريبين منه، عن التأكيد أنه «لا يَحمل توقيف الضابط يوماً واحداً»، مع العلم أنّ العقيد ج.ح عوقب بالتوقيف 30 يوماً. الزعيم الدرزي الذي يتعرّض، برأيه، للاستهداف المباشر حكومياً وسياسياً غير وارد بالنسبة اليه تحمّل صفعة إضافية بعدما وصل به الأمر الى حدّ وصف فريق العهد بـ «العلوج» قائلاً «بئس الساعة التي أتت بهم الى الحكم»!
«مشكلة» جنبلاط الفعلية أنّ قراره بتحييد الضابط المتورّط، بالأدلّة الدامغة، والذي يفوق حجم الأموال التي حصل عليها والتهم الموجّهة اليه تلك المنسوبة الى العقيد ج.ح، أنّ التحقيقات في هذا للملف تأتي في إطار الحملة التي أطلقها مدير عام قوى الأمن الداخلي اللواء عماد عثمان لمكافحة الفساد على مستوى الضباط والعناصر في المؤسسة.
يذكر أنّ عثمان كان، قبل نحو شهر ونصف، قد دعا الى اجتماع حضره ضباط قوى الأمن الداخلي تحدّث فيه بلهجة عالية جداً بشأن قراره الصارم بإجتثاث الفساد من داخل المؤسسة، محذّراً الضباط أنّ مَن يثبت تورّطه سيتعرّض للمحاسبة والعقاب ولن تنفع التدخلات السياسية في إبعاد كأس المحاسبة عنه.
مشكلة جنبلاط الأكبر أنّ صفحته على «تويتر» تعجّ بـ «بوستات» مكافحة الفساد في بواخر الكهرباء وأصحاب المولدات والمرامل والكسّارات ومشاريع ردم البحر والنفايات ومرسوم التجنيس وتنصّت الأجهزة... ولا بأس بين «بوست» وآخر، الدفاع عن البيئة والدعوة الى حمايتها من «الوحوش البشرية الكاسرة من تجار الخرطوش وفحش الصيادين»!
وللصدفة في تموز الماضي غرّد جنبلاط قائلاً وسط «الأخبار بأنّ داتا الاتصالات بيعت لشركة مشبوهة بحيث تسقط كل الحرمات الخاصة والعامة عن اللبنانيين، التحية لـ «فرع المعلومات» الذي يقوم بعملية تطهير الفاسدين داخلياً وملاحقة المجرمين خارجياً»، متمنّياً «يا ليت يتعلّم الغير»!