مع التيار الوطني الحر، وتحديداً مع الوزير سيزار أبي خليل. كلام جابر المسرّب عبر تطبيق الواتساب يكشف حقيقة ما يهدف إليه أعضاء النادي الذي حكَم لبنان بعد الحرب الأهلية، ووضَع السياسات المالية والاقتصادية والنقدية وسوّق لها: المطلوب تحميل ميشال عون مسؤولية كل ما ارتُكِب في البلد منذ عام 1992!
 

مرّة جديدة، يتحوّل ملفّ الكهرباء في لبنان إلى مادة سجاليّة وسبباً لتبادل الاتهامات بين القوى السياسية، ولا سيّما حركة أمل والتيار الوطني الحرّ، في الوقت الذي تستمر فيه الأزمة وتتعقّد.
التسجيل الصوتي المسرّب للنائب ياسين جابر تضمن اتهاماً لوزير الطاقة سيزار أبي خليل برفض عرض من شركة «سيمنز» الألمانية لحلّ أزمة الكهرباء في لبنان. وأثار هذا التعليق موجة من التفاعل على مواقع التواصل الاجتماعي، وأخذاً وردّاً بين جابر وأبي خليل. ولم يغب النائب السابق وليد جنبلاط، الذي غرّد على «تويتر» مؤيّداً ما ورد في تسجيل جابر، قبل أن يعود ويخفّف من حدّة تغريداته، مؤكّداً استمراره بالتهدئة الإعلامية مع التيار الوطني الحرّ. وتبيّن أن الخبر المتناقل استناداً إلى الإعلام الألماني عن «غضب المستشارة الألمانية على لبنان» والأخبار المشابهة حول رفض أبي خليل عرض شركة سيمنز، ليس لها وجود في أي صحيفة ألمانية (قال جابر أمس، لصحيفة «النهار»، إنه استند إلى خبر منشور في دير شبيغل. لكن تبيّن أن المجلة الألمانية الشهيرة لم تنشر الخبر المنسوب إليها، والذي جرى تداوله «مترجماً» إلى العربية، من دون وجود أي أساس ألماني له). إلّا أن مصادر بارزة في وزارة الطاقة، أكّدت لـ«الأخبار» أن «أحد المستشارين الاقتصاديين لرئيس الحكومة المكلّف سعد الحريري هو من نقل معلومات مغلوطة حول النقاش الذي دار بين أبي خليل ومدير شركة سمينز جو كيزر، لتحميل أبي خليل مسؤولية عرض لم يقدّم أصلاً من سيمنز، ولإثارة البلبلة في البلد».
وكان جابر قد ذكر في تسجيله المسرّب من محادثة خاصة مع أحد أصدقائه: «أنهم (وزير الطاقة) للأسف، روّحوا على لبنان فرصة جديدة». ويضيف: دبلوماسيون أجانب انتقدوا الطريقة التي تعامل بها لبنان مع زيارة المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل ورفض وزير الطاقة العرض الذي قدّمه مدير شركة سيمنز جو كيزر خلال الزيارة. ثم قال نائب النبطية: «للأسف الشديد، هذا عهد سيدمّر لبنان بشكل غير مقبول». وتابع جابر: «في جلسة الاثنين (اليوم) رئيس الجمهورية (ميشال عون) يضغط ووزير الطاقة، للحصول على 500 مليون دولار جديدة حتى يؤمّنوا الطاقة بضع ساعات في الفترة المتبقية من العام، فوق اللي أخذوهم مليار ونصف مليار دولار في موازنة 2018. للأسف الشديد البلد يؤخذ إلى الهاوية».
وفيما اعتبر جابر لاحقاً أن نشر التسجيل هو انتهاك لخصوصية محادثة خاصة وليست تصريحاً إعلامياً، قال لـ«الأخبار» إن «هناك أزمة مستمرة في ملف الكهرباء، ويا ليت وزير الطاقة يتوجّه إلى مجلس النواب ونجري نقاشاً عملياً أمام الناس لنتحمل جميعاً مسؤولياتنا ولنجد حلّاً، لأن البواخر ليست حلّاً، بل هي استمرار للمشكلة». وأضاف جابر لـ«الأخبار» إن «هناك تهدئة للخطاب السياسي في البلد، وبين حركة أمل والتيار الوطني الحرّ وأنا ملتزم بها، وأكرّر أن ما قلته ليس تصريحاً إعلامياً مع ملاحظاتنا حول أزمة الكهرباء».
في المقابل، قالت مصادر وزارة الطاقة إن «من غير المعقول أن نردّ على كل رئيس دولة يأتي ويحضر معه مديرو شركات»، وأن «سيمنز أصلاً لم تقدّم عرضاً لحلّ الأزمة، لكن قدّمت اقتراحاً بمنحنا مولّدات مؤقتة بقوّة 40 ميغاواط تعمل بالغاز، وعندما ناقشهم الوزير سحبوا العرض من أساسه». وأضافت المصادر: «النائب ياسين جابر وفريقه السياسي يكررون أنهم يجب أن نلتزم بالمناقصات، وسيمنز أيضاً لم تتقدم للمناقصة، فكيف نسير بما سمي عرضاً؟». وحرصت المصادر على تكرار وجود تهدئة بين التيار الوطني الحر وحركة أمل، معتبرةً أن وزير الطاقة لم يردّ على كلام جابر، على اعتبار أنه رسالة خاصّة وليس تصريحاً إعلامياً.


واللافت في كلام جابر أن النائب الجنوبي انضم «رسمياً» إلى «الجوقة» التي تريد تحميل عهد الرئيس ميشال عون كل مشكلات لبنان، وتتهمه بتدمير البلاد التي أمعن حاكموها نهباً بها منذ عام 1992، فضلاً عن تبنيهم سياسيات مالية واقتصادية ونقدية أدّت إلى تدمير البلاد. ويمكن اعتبار جابر تحديداً أحد أعضاء النادي الذي لطاما دافع عن السياسات المالية والنقدية والاقتصادية المتبعة، والتي أوصلت لبنان إلى عنق زجاجة بات خروجه منها أمراً شبه مستحيل. ورغم ذلك، يصر هذا النادي على إلصاق التهم بعهد الرئيس عون. وفيما لا يمكن إعفاء التيار الوطني الحر من مسؤوليات عن عدم إيجاد حلول لأزمة الكهرباء، رغم إمساكه ــــ وحلفائه ــــ بوزارة الطاقة منذ عام 2008، من دون انقطاع، إلا أن الحد الأدنى من الإنصاف يوجب تذكير جابر بأن فريقه السياسي أمسك بالوزارة نفسها لسنوات طويلة قبل عام 2005، علماً بأن «الحفرة» العميقة التي سقط فيها قطاع الطاقة في لبنان لم تُحفَر اليوم، بل منذ وقف الاستثمار في إنتاج الكهرباء قبل أكثر من 18 عاماً. ولا بد أيضاً من تذكيره بأن فريقه السياسي عرقل تنفيذ عدد من المشاريع الإنتاجية في قطاع الكهرباء، ولا سيما معمل دير عمار الذي كان ليضيف 4 ساعات تغذية يومياً، على الأقل، لكل بيت في لبنان، بذريعة الخلاف على تحديد الجهة التي يجب عليها دفع الضريبة على القيمة المضافة (الشركة المتعهدة أو الدولة).
من جهة أخرى، طلبت وزارة الطاقة مبلغ 642 مليار ليرة إضافية لتسديد قيمة الفيول المخصص للكهرباء للأشهر الثلاثة المقبلة، بناءً على ما تقول مصادر إنه اتفاق جرى بداية العام خلال إقرار موازنة عام 2018، بعدما طلبت الوزارة مبلغ 2770 مليار ليرة، وجرى الاتفاق على أن تحصل على 2100 بسبب شح الموارد، وأن تحصل على ما تبقى من المبلغ في الربع الأخير من العام. وقالت المصادر إن هذا الأمر لا يحتاج إلى قرار من مجلس الوزراء، بل إلى إذنٍ خاص من رئيس الجمهورية ميشال عون والحريري، وأن لا مشكلة مع وزير المال علي خليل حيال هذا الأمر، ومن المتوقّع أن يحوّل المبلغ إلى وزارة الطاقة من الاحتياط. وهذا المبلغ الذي انتقده جابر أيضاً مخصص لدعم سعر الكهرباء للمستهكلين.



محضر لقاء أبي خليل ــ كيزر
حصلت «الأخبار» على نسخة من محضر اللقاء الذي عقد بين وزير الطاقة سيزار أبي خليل ومدير شركة سمينز جو كيزر، خلال زيارة المستشارة الألمانية لبيروت أنجيلا ميركل يوم 21 حزيران 2018. وفي ما يلي نص الحوار الذي دار بينهما:
كيزر: لا أعرف ما الأسباب التي منعتكم حتى الآن من حل أزمة الكهرباء في لبنان. بإمكاننا تزويدكم بوحدات الـ 40 ميغا واط خلال أسبوعين، بسعر 9 سنتات أميركية لكل كيلو واط.
أبي خليل: حسناً، هناك شقان لسؤالك. أوّلاً نحن أقررنا في عام 2010 خطة وطنية للكهرباء وبدأنا بتنفيذها. لكن للأسف، الأزمات السياسية المتلاحقة والأحداث أخرت التنفيذ الكامل للمشروع. وفي ما خص كلامك حول وحدات الـ 40 ميغا واط، أعتقد أنها وحدات لعنفات الهواء تعمل على الغاز؟
كيزر: نعم.
أبي خليل: أنت تعلم، ليس لدينا غاز بعد، هل هذه الوحدات تعمل على الفيول؟
كيزر: لا، لكن بإمكانكم أن تشغّلوها على المازوت كفيول بديل.
أبي خليل: إذاً، أعتقد أن فعاليتها في هذه الحالة تراوح بين 33 إلى 34%.
كيزر: نعم أصبتها.
أبي خليل: وأعتقد أيضاً أنها تستهلك 258 أو 260 غراماً من المازوت لكل كليو واط.
كيزر: صحيح.
أبي خليل: هذا تحديداً ما دفعنا إلى عدم التوجّه نحو وحدات عنفات الهواء التي تعمل على الغاز، في ظل عدم وجود البنية التحتية للغاز الطبيعي، والحل المؤقت الذي أقررناه في ظلّ أسعار النفط الحالية، يكلفنا نصف التكلفة (التي من الممكن أن تكلفنا إذا اعتمدنا وحدات الـ 40 ميغا واط على المازوت) أي 14 سنتاً للكليو واط الواحد.
كيزر: يبدو أن هناك من يعرف ماذا يفعل.
أبي خليل: اسمح لي بسؤال آخر، هل يمكن لهذه الوحدات أن تتواءم مع الشبكة؟
كيزر: لا أعتقد ذلك.
أبي خليل: إذاً، سننتهي في هذه الحالة مع حل المولدات الموزعة، والتي اقترحها البعض هنا في لبنان في وقت ما، وفشلت من أربع نواحٍ. أولاً، تقنياً، الوحدات الطارئة تحتاج إلى صيانة مستمرة لأنها ليست معدة لتكون حلاً نهائياً. ثانياً، مالياً، إنها تستهلك 15% أكثر من الفيول الأغلى بـ 40%. ثالثاً، لوجستياً، في غياب شبكة الأنابيب، سنضطر إلى توزيع الفيول عبر الشاحنات، وهو ما سيضر بشبكات الطرقات لدينا، المتعبة أصلاً. رابعاً، بيئيّاً، نحن نسعى إلى إزالة المولدات الكهربائية المنتشرة في الأحياء، لا لنضع مكانها منشآت كهربائية صغيرة في قلب البلدات.
كيزر: فهمت بشكل أفضل.
أبي خليل: مرة جديدة، أوّد أن أدعوكم للاطلاع دائماً على إعلانات وزارة الطاقة، ونحن لدينا مناقصتان جديدتان مقبلتان لبناء معملين للكهرباء: واحد في سلعاتا على الساحل الشمالي، وآخر في الزهراني على ذات بقعة الأرض حيث يوجد معمل «الزهراني 1». وكل واحد منهما سيكون بقدرة 600 ميغا واط ومتعدد الفيول، وعلى قاعدة مولد الطاقة المستقل «IPP basis».
كيزر: سوف نفعل.