يشهد لبنان اليوم فصلاً، غير مألوف من فصول تأخر تأليف الحكومة الجديدة، يتمثل بتشريع الضرورة، أي بتقدم التشريع على تشكيل الوزارة ومنحها الثقة والانطلاق بالتالي إلى التشريع في ظل حكومة لا تصرف الأعمال، بل اصيلة، لا سيما بعد اجراء الانتخابات النيابية..
ومع ان التكليف يختتم شهره الرابع، فإن سفر الرئيس ميشال عون على رأس وفد دبلوماسي واداري وأمني واعلامي «فضفاض» دفع المشاورات الحكومية إلى فترة زمنية، لن تظهر ملامحها بعد، ربما حتى في الشهر المقبل.
وتترافق عودة الحيوية إلى المجلس مع استئناف الحركة المطلبية، سواء أساتذة الجامعة اللبنانية والقطاعات التربوية الأخرى، فضلاً عن تنظيم قطاعات الإنتاج لقاءً احتجاجياً للتأكيد على أهمية تشكيل حكومة جديدة وعلى وقع أزمات انقطاع المياه، وزيادة ساعات التقنين، والتساؤلات عن مشاريع مكافحة الفساد و«الكف النظيف» والاختلاسات والهدر في غير مؤسسة ووزارة.
قوانين غير نافذة!
وإذا كان ملف تأليف الحكومة شبه مجمد، في انتظار عودة الرئيس ميشال عون من زيارته إلى نيويورك، فإن الجلسة التشريعية التي ستنعقد اليوم وغداً، تحت عنوان «تشريع الضرورة» يمكن ن تشكّل مع التحرّك التي ستقوده الهيئات الاقتصادية والاتحاد العمال العام غداً، عامل ضغط على المعنيين بتأليف الحكومة من أجل الإسراع في إصدار مراسيمها، لاعتبارات دستورية، وأخرى اقتصادية واجتماعية.
وبحسب دراسة اعدها الخبير الدستوري النقيب السابق للمحامين انطوان قليموس، والتي تنشرها «اللواء» كاملة (راجع ص 3) فإن الدستور (المادة 56) يفرض على رئيس الجمهورية التوقيع على القوانين التي سيقرها المجلس اليوم وغداً، بهدف نشرها لتصبح نافذة، ضمن مهلة شهر، لكن هذا الأمر يفرض عليه ان يوقع معه على القوانين كل من رئيس الحكومة والوزير المعني، شرط ان تكون الحكومة قائمة، وليست مستقيلة أو لتصريف الأعمال، وهذا يعني في نظر مصادر نيابية، ان امام المعنيين بتأليف الحكومة، فرصة جديدة قد تمتد طيلة الشهر الخامس للتكليف وبالتالي التأليف، بعد انتهاء الشهور الأربعة، اعتباراً من اليوم، لكي يكون للتشريع الذي سيعتمده المجلس فائدة قانونية ودستورية عملية، والا سيكون كل الجهد الذي سيقوم به النواب على مدى يومين، من دون نتيجة.
ولم تستبعد المصادر ان تكون هذه المسألة مدار جدل دستوري وقانوني بين النواب في الجلسة اليوم، علماً ان السوابق التي حصلت لتبرير انعقاد جلسة تشريعية في ظل حكومة تصريف أعمال، كانت قبل اتفاق الطائف، (1969) وقبل التعديلات التي طرأت على الدستور في العام 1990، بعد الطائف، والتي نصت على ان دور الحكومة محصور في تصريف الأعمال في النطاق الضيق.
واللافت هنا، ان قيام المجلس النيابي الحالي بدور التشريع، وان كان يتوافق مع نص المادة 16 من الدستور ومع مبدأ الفصل بين السلطات المحدد في الفقرة (هـ) من مقدمة الدستور، الا انه يؤدي بحكم الدستور إلى تعطيل صلاحية رئيس الجمهورية في المادة 57 من الدستور التي تجيز له طلب إعادة القوانين الى المجلس لمناقشتها مرّة جديدة، الا ان الدستور يلزمه اطلاع مجلس الوزراء على طلبه إعادة النظر في القانون ضمن المهلة المحددة لإصداره، ولا يجوز ان يرفض طلبه. وفي الحالتين، أي نشر القوانين (المادة 56) أو إعادة النظر فيها (المادة 57) يستلزم ان تكون إلى جانبه حكومة قائمة مكتملة الصلاحية، وهو ما يفرض بالتالي ان تكون هناك حكومة في تشرين الأوّل أو الثاني، على أبعد حدّ، لكي تكون العملية التشريعية التي سيقوم بها المجلس اليوم وغداً مكتملة وحقيقية، قبل ان تصبح القوانين غير موجودة بفعل عدم وجود حكومة.
زمن الشائعات
اما التحرّك الاقتصادي، والذي سيتزامن مع الجلسة التشريعية غداً الثلاثاء، فلا بدّ ان يُشكّل بدوره عامل ضغط قوياً على الطبقة السياسية، لاستعجال تأليف الحكومة، قبل ان يُقرّر المجتمعون تحركاً قد يصل إلى الإضراب العام.
وفي تقدير مصادر سياسية، ان الشائعات التي روّجت حول صحة حاكم مصرف لبنان رياض سلامة أو استقالته من منصبه، غير منفصلة عن الضغوط لتشكيل الحكومة، ولكن من زاوية استهداف الاستقرار النقدي، وهو ما أكّد على ثباته الحاكم سلامة، نافيا ان يكون قد فكر بالاستقالة، مؤكداً انه بخير، وهو ايضا ما شدّد عليه الرئيس الحريري عبر تغريدة على موقع «تويتر» قائلاً: «لم يبق امام المتحاملين على وطننا الا بث الشائعات الكاذبة حول صحة رياض سلامة. التقيه دائما، واكلمه يومياً، واتصلت به للتو: صحته جديدة والحمد الله».
وعليه، تعتبر المصادر الرسمية المواكبة لتأليف الحكومة، ان لا أفق منظوراً لتشكيل الحكومة قبل أوائل أو منتصف الشهر المقبل، برغم الكلام المستجد عن تعديلات اقترحها الرئيس المكلف على الصيغة التي اودعها لدى الرئيس عون مؤخراً.
وقالت ان ما يتردد عن تعديلات في الصيغة وإعادة توزيع الحقائب بما يتناسب مع هذه الجهة ولا يتناسب مع تلك، هو تأكيد على ان لا حكومة في القريب العاجل، وانهم يخترعون في كل مرّة اسبابا لتبرير التعثر ما يعني ان المماطلة واضحة، وتختصر الوضع بالقول: «مش راكبة، ولننتظر عودة رئيس الجمهورية والوزير جبران باسيل، والذي قد يتأخر بسبب أو بتأخر بجولة في الولايات المتحدة بعد نيويورك».
وكانت آخر التسريبات قد اشارت إلى احتمال البحث في صيغة حكومية من 24 وزيراً لتلافي مشكلة التمثيل والاحجام وتوزيع الحقائب، كما تحدثت معلومات أخرى عن تعديل بتوزيع الحقائب، بحيث تُعطى «القوات اللبنانية» منصب نائب رئيس الحكومة وحقيبتين وازنتين وحقيبة دولة، فيما يُعطى الحزب الاشتراكي حقيبتين وازنتين وحقيبة دولة للدروز وحقيبة لشخصية درزية او مسيحية مقربة منه ومن العهد، وثمة من سرّب ان «حزب الله» مستعد للتنازل عن حقيبة الصحة لمصلحة «تيار المردة» اذا اصر «التيار الحر» على نزع حقيبة الاشغال من «المردة» الذي يطالب بحقيبة الطاقة بدل الاشغال.
وفد عون
مبدئياً، يفترض ان يعود الرئيس عون إلى بيروت يوم الجمعة المقبل، بعد ان يكون ألقى كلمة امام الجمعية العامة للأمم المتحدة بعد ظهر الاربعاء (بتوقيت بيروت) وهو كان غادر بيروت ظهراً، مع الوفد الرسمي المرافق له، والذي يتألف من قرينته السيدة ناديا فيما ينضم إليه في نيويورك كل من وزير الخارجية جبران باسيل، ومندوبة لبنان لدى الأمم المتحدة امال مدللي والسفير اللبناني في واشنطن غابي عيسى.
وعلم ان الوفد المرافق يضم نحو 45 شخصاً، عدا عن الوفد الإعلامي الكبير، والوفد الذي سيرافق باسيل، يتقدمهم رئيس فرع المراسم والعلاقات العامة في رئاسة الجمهورية الدكتور نبيل شديد، وقائد لواء الحرس الجمهوري العميد سليم فغالي والمستشارة الخاصة للرئيس عون السيدة ميراي عون الهاشم، ومدير مكتب الإعلام رفيق شلالا، ومديرة مكتب السيدة عون السيدة ميشال فنيانوس، والمستشار اسامة خشاب من الخلية الديبلوماسية والطبيب الخاص الدكتور جورج بدوي، فيما يضم فريق العمل الإداري 16 شخصاً، و22 ضابطاً وملازماً في عداد الوفد الأمني.
وتناقلت وسائل التواصل الاجتماعي، اخباراً أفادت ان إدارة شركة طيران الشرق الأوسط، اضطرت إلى إلغاء الرحلة المتجهة إلى مصر، ظهر أمس، للاستعانة بالطائرة التابعة لها من أجل الرحلة الرئاسية، وتم انزال الركاب من الطائرة، بعدما أمنت لهم طائرة ثانية على متن رحلة مسائية.
وأصدرت الشركة بياناً اعتذرت فيه من الركاب للسبب المذكور، وأعلنت ان الأمر كان خارج ارادتها.
سجال كهربائي
وعلى الرغم من التهدئة الإعلامية القائمة حالياً بين «التيار الوطني الحر» والحزب «التقدمي الاشتراكي»، الا ان التسجيل الصوتي المسرب لعضو كتلة «التنمية والتحرير» النائب ياسين جابر، والذي اعتبرت فيه ان هذا «العهد سيدمر لبنان»، على خلفية تمسكه ببواخر الكهرباء، اشعل سجالاً كهربائياً، أوحى بأن الوضع السياسي الداخلي ما يزال قائماً على حبل مشدود، وان معطيات التوتر اقوى من معطيات التهدئة، خاصة بعد دخول رئيس الحزب الاشتراكي وليد جنبلاط على خط التسجيل الصوتي، واصفاً ما قاله النائب جابر بأنه «صوت مدوي ينضم إلى الحريصين على المصلحة العامة ويفضح مهزلة البواخر التركية التي هي أحد الأسباب الرئيسية للعجز والدين العام».
وكان جابر كشف في التسجيل الذي ارسله إلى صديق له، تعليقاً على مقال منسوب إلى صحيفة «دير شبيغل» الالمانية عنوانه: «ميركل غاضبة من زيارتها للبنان»، ان «العونيين روحوا على لبنان فرصة عظيمة»، وذلك عندما رفضوا عرضاً قدمته شركة «سيمنز» لبناء معملين في لبنان، مشيراً الى انه في جلسة الاثنين سيضغط رئيس الجمهورية لتأمين 500 مليون دولار لتوفير الكهرباء لغاية نهاية العام 2018، وهي غير الـ1.5 مليار دولار التي اخذوها ضمن موازنة الـ2018، وخلص إلى ان البلد «يؤخذ إلى الهاوية».
وهو ما فسّر بأنه مدخل جديد للهدر الكهربائي.
ورد وزير الطاقة في حكومة تصريف الأعمال سيزار أبي خليل عبر «تويتر» قائلاً: «لم نعد نعرف ماذا تريدون أتباع الأصول أو التراضي كما تعودتم، يا ليت الأصوات الوطنية لجأت إلى الوقائع والمحاضر بدلاً من الشائعات، نافياً ان تكون «سيمنز» شاركت في أي مناقصة».
إلا ان جنبلاط ردّ موضحاً، ان اشارته إلى كلام جابر ليست من باب الحقد، بل من باب الحرص على المصلحة العامة، وقال في تغريدة ثانية انه «لا يريد الا ان تكون ملاحظاته من باب النصح، وان لا تفسر على غير محملها سياسياً»، مضيفاً انه سيتابع جهود التهدئة والحوار بوجود الكهرباء أو بدون الكهرباء، وعلى ضوء الشموع أو قناديل الغاز، أو ضوء القمر «نحن والقمر جبران».
ولاحقاً، تابع جنبلاط: «ليتكم اخذتم بملاحظات منير يحيى التي ادلاها آنذاك بحضور الرئيس الحريري، لكن قررتما تجاهلها لأنه يبدو ان س.ض. فوق الجميع» (في إشارة إلى الاحرف الأولى من اسم المهندس سمير ضوميط).
العيد الوطني السعودي
وسط هذه الأجواء، جاءت مناسبة حفل الاستقبال الذي أقامه القائم بأعمال السفارة السعودية في لبنان الوزير المفوض وليد بخاري، في كل من بيروت مساء السبت وفي طرابلس للمرة الأولى مساء الأحد، فرصة لجمع الشمل اللبناني، عبر الحشد الوطني الذي حضر الحفلين، وتمثل فيه لبنان بكل طوائفه وفئاته ومناطقه، وهو ما اشار إليه الدبلوماسي السعودي عندما أكّد في كلمته في بيروت على حرص قيادة المملكة على لبنان وشعبه، وعلى أمن واستقرار هذا البلد الطيب، وأهمية ان يستعيد تألقه ودوره الفاعل بين دول المنطقة، مشيراً الى ان «اللبنانيين المقيمين في المملكة أصبحوا جزءاً لا يتجزأ من النسيج الاجتماعي السعودي».