تعكس المستويات السياسية والديبلوماسية صورة منطقة يكتنفها الغموض يُلقي ظلالاً من القلق حول مستقبلها، حيث يتهددها جوّ حربيّ آخذ في التفاقم في هذه الفترة، وبشكل خاص في الميدان السوري حيث ما زالت شرارة إدلب مشتعلة برغم تبريدها في قمة سوتشي بين الرئيس الروسي فلاديمير بوتين ورجب طيب اردوغان، عبر تفاهمات ثنائية بشأنها. وكان اللافت بالأمس المهلة التي أعطاها وزير الخارجية الروسي لجبهة النصرة للخروج من إدلب، ما فسّر بأنه موقف تمهيدي لعمل عسكري. حيث قال لافروف امس: على جبهة «النصرة» الإنسحاب من المنطقة المنزوعة السلاح في إدلب حتى منتصف تشرين الأول.
وبحسب هذه الاجواء، فإنّ الامور شديدة الحساسية، ومع الحشد العسكري والبحري المتبادل على هذه الجبهة بين الاميركيين والروس، تصبح مفتوحة على تطورات غير متوقعة، وما يقلق أكثر هو دخول العامل الاسرائيلي على هذا الخط، من خلال تكثيف الغارات في سوريا، والتي أدّت الى أزمة إسقاط الطائرة الروسية ومقتل 15 عسكرياً روسياً.
التهديدات
ولا تشكل الساحة السورية وحدها مصدراً للتوتر في المنطقة، بل اضيف اليها مصدر آخر عبر التهديدات المتبادلة بين «حزب الله» واسرائيل، التي ارتفعت وتيرتها في الساعات الماضية الى مستويات غير مسبوقة.
مصادر ديبلوماسية لـ«الجمهورية»
الى ذلك، تخوّفت مصادر ديبلوماسية غربية من ان تنزلق التهديدات المتبادلة بين «حزب الله» واسرائيل الى ما هو أخطر في المرحلة المقبلة.
وقالت المصادر لـ«الجمهورية»: انّ بلوغ التهديدات هذا الحد من استعراض القوة، من قبل الجانبين مؤشّر خطير، ويبعث على القلق من احتمالات أسوأ يمكن ان تطرأ في أي لحظة اذا ما خرجت الأمور عن السيطرة.
مصادر أممية لـ«الجمهورية»
بدورها، قالت مصادر ديبلوماسية أممية لـ«الجمهورية» انّ الامم المتحدة على تواصل دائم مع كل الاطراف وتدعوها الى تجنّب السقوط في اي منزلقات، والى ممارسة المستوى الاعلى من ضبط النفس».
وإذ اشارت المصادر الى انّ قوات اليونيفيل العاملة في جنوب لبنان على تواصل مستمر مع الجانبين اللبناني والاسرائيلي، تفيد تقارير قوات الامم المتحدة المؤقتة في لبنان انّ الوضع على جانبي الحدود هادىء وينعم بالاستقرار.
وشددت المصادر على تعاون كل الاطراف مع اليونيفيل، واكدت اهمية الدور الذي تضطلع به للحفاظ على الاستقرار في الجنوب اللبناني، وضرورة استمرار كل من لبنان وإسرائيل بالتزاماتهما بقرار مجلس الأمن 1701، لافتة الى انّ الامم المتحدة تواصل جهودها في سبيل إبقاء الحفاظ على الاستقرار في لبنان هو الاولوية، مذكّرة في الوقت نفسه بما أكد عليه الامين العام للأمم المتحدة انطونيو غوتيريس لناحية استئناف الحوار الوطني في لبنان بهدف التوصّل إلى استراتيجية للدفاع الوطني.
تطمين
في هذا الوقت، وفيما قال مرجع كبير لـ«الجمهورية» ان موقف لبنان معروف لناحية التزامه الكامل بمندرجات القرار 1701، الذي تخرقه اسرائيل براً وبحراً وجواً، ولناحية قراره بحماية ارضه والدفاع ومواجهة اي احتمالات اسرائيلية، كشفت مصادر وزارية لـ»الجمهورية» انّ تأكيدات تلقّاها لبنان، سواء من الاميركيين او الاوروبيين بالحرص على استمرار الاستقرار في لبنان وعدم الاخلال به.
ولم تُشر المصادر الى ما اذا كانت هذه التأكيدات قد جاءت بعد التهديدات المتبادلة ام قبلها، الّا انها قالت: سواء كانت قبل التهديدات ام بعدها، الواضح انها تعكس تأكيداً مباشراً من قبل الاميركيين تحديداً، على انّ جبهة لبنان ليست قريبة من الاشتعال. والسبب الاساس في ذلك هو انّ الاميركيين لا يريدون بؤر توتر اضافية في المنطقة، أولويتهم اليوم هي سوريا والتطورات المتسارعة فيها عسكرياً وسياسياً، وكيفية إدارة الصراع السياسي المحتدم بينهم وبين الروس.
نصرالله
وكانت الساعات الـ48 الماضية قد شهدت تصاعداً في وتيرة التهديدات بين «حزب الله» واسرائيل، حيث وجّه الامين العام للحزب السيد حسن نصرالله تحذيراً لإسرائيل من عاقبة وخيمة لها في حال شَنّت عدواناً على لبنان.
وخلال إحياء مراسم اليوم العاشر من محرّم (عاشوراء)، امس الاول، حيث نظّم الحزب مسيرة حاشدة في الضاحية الجنوبية، أكد نصرالله «أنّ إسرائيل تعلم أنّ محور المقاومة «عائد أقوى من أي زمن مضى»، لافتاً إلى أنّ العدو يدرك أنّ نقاط ضعفه باتت مكشوفة، ويعرف جيداً نقاط القوة التي نمتلكها.
وإذ اشار الى انّ «العدو يعرف أنّ هناك متغيّرات كبرى حصلت في المنطقة لم يكن يتوقعها»، قال: إنّ «المقاومة تملك إمكانيات تسليحية بما يجعل إسرائيل تواجه مصيراً لم تتوقعه إذا فرضت حرباً على لبنان، والإسرائيلي يتهيّب أيّ معركة في المنطقة وخصوصاً مع لبنان، ويعلم أنّ أيّ حرب ستكون لها تداعيات كبيرة».
وشدّد نصر الله على أنّ «الجيش الإسرائيلي الذي كان يهدّد باجتياح بيروت لم يعد موجوداً». وتوجّه إلى الإسرائيليين بالقول «إنّ الله مدّ في عمري وأنتم تسعون في الليل والنهار لقتلي، ولكنكم فشلتم ووجودي هو دليل على فشلكم».
نتنياهو
وفي وقت لاحق، ردّ رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو على كلام السيد نصرالله، مهدداً بتوجيه ضربة قاسية الى «حزب الله».
وقال نتنياهو في تصريح له، خلال المراسم الرسمية التي أقيمت في جبل هرتسل في القدس، إحياء لذكرى حرب تشرين الأول 1973، إنه «استمع للتصريحات النارية التي أطلقها نصرالله». أضاف: «الأخير قال بعد حرب الـ2006 انه لو كان يعلم ماذا سيكون الرد الإسرائيلي على خطف جنودنا آنذاك، لكان فَكّر مرتين. وأقول لنصرالله: عليك التفكير عشرين مرة قبل التعدي على اسرائيل، لأنه لو اعتدى علينا، فإنه سيتلقّى ضربة ساحقة لا يستطيع تصورها حتى».
أزمة التأليف
حكومياً، حواجز التعطيل منصوبة بين المتصارعين على الحقائب والاحجام، والمشهد الداخلي تتجاذبه شروط وتعقيدات، ولم يقدّم اي من المتصارعين بدائل او حلولاً وسطية او مخارج يمكن ان تشكل مساحة مشتركة في ما بينهم، فيما العدادات تمرّك أزمات، واعتراضات، وتقنيناً كهربائياً ومولّدات وتوعّداً بعدادات، او بالأحرى «شفّاطات» لِما تبقّى في جيوب الناس، وفي محاذاتها تحركات وتحضيرات لاعتصامات وإضرابات.
على هذه الصورة، وكما يقول احد المشاركين الاساسيين في مطبخ التأليف، يتجمّد تشكيل الحكومة، فلا تواصل جدياً بين الرؤساء الثلاثة حيال هذا الامر، وإن وجد هذا التواصل فهو خجول جداً، ومحدود الى أضيق الحدود، والارباك يشمل الجميع بمن فيهم الرؤساء، اذ انّ عصا الحلول الداخلية مفقودة.
لا وساطات خارجية
وكشف مرجع سياسي كبير لـ«الجمهورية» انّ كل ما قيل عن وساطات وجهود خارجية غربية وغير عربية للدفع بالوضع الحكومي اللبناني نحو تأليف الحكومة، ليس صحيحاً على الاطلاق، ولم يطرح احد على اي مسؤول لبناني اي امر او اي مبادرة او حتى نيّة للتدخل ولو من بعيد في الاستحقاق الحكومي للتعجيل بالحكومة. يأتون الينا ويعربون عن تمنيات ورغبات من دون ان يعربوا عن استعدادهم للقيام بخطوات ملموسة. ينصحوننا بالتعجيل بتشكيل حكومة، لأنّ ضرورات اقتصادية ملحّة مثل مؤتمر سادر وما تقرر تجاه لبنان، توجِب وجود حكومة لمتابعتها ومواكبتها وإفادة لبنان منها، لكن نحن في مكاننا عالقين بين متاريسنا وصراعاتنا على مغانم ومكاسب، ولا نخجل من ان نعطي آذاننا للداخل او للخارج لتعطيل تأليف الحكومة عبر لعبة مكايدة واضحة، وضعت البلد على سكة الجمود الطويل. في الخلاصة علينا ان نعترف اولاً واخيراً انّ الخارج أحرص منّا على بلدنا.
يرسم المرجع صورة التأليف كما هي اليوم، فيشير الى «صراع رئاسي» واضح، إنما غير معلن، رئيس الجمهورية العماد ميشال عون ينتظر ان يحسم الرئيس المكلف سعد الحريري، ولم يسجّل انه قدّم حلاً وسطاً يمكن ان يوافق عليه الأخير. والحريري عَلق في دوامة الطروحات المستهلكة التي تدور حول إرضاء «القوات اللبنانية»، ولم يخرج عن هذا السياق منذ تكليفه تشكيل الحكومة في أواخر ايار الماضي، بل وصل به الأمر في آخر مسودة له الى التنازل عن حقيبة من حصته لمصلحة «القوات»، الّا انه اصطدم بعدم موافقة عون الذي يرفض ان يتضخّم حجم «القوات» أكثر من اللازم.
امّا في الجانب الآخر من الصورة التي يرسمها المرجع المذكور، فإلى جانب صراع «القوات» و«التيار الوطني الحر» على الاحجام والحقائب، يتبدّى مثلث الاشتباك على وزارة الاشغال، فـ«االقوات» تريدها، و«التيار» يريدها، و»تيار المردة» يدافع للتمسّك بها وإبقائها معه رافضاً التخلي عنها الّا اذا استبدلت بحقيبة الطاقة، التي يتمسّك بها «التيار»، وتشكّل عنصر اشتباك عليها بين «التيار» و«القوات». وفي محاذاة هذا المثلث الاشتباكي تقع العقدة الدرزية المستعصية، والمؤجّل إيجاد مخرج لها الى ما بعد حل العقد بين «التيار» و»القوات». الّا انّ اكثر العقد تعقيداً، والمؤجّل الاشتباك عليها هي عقدة تمثيل «سنّة المعارضة»، حيث يرفض الحريري إخراج التمثيل السني في الحكومة من دائرة تيار «المستقبل»، في مقابل إصرار قوى أخرى على تمثيل النواب السنّة الآخرين من خارج تيار «المستقبل»، ويؤيّد هذا المنحى وبقوة «حزب الله»، الذي اكد لرئيس الجمهورية ضرورة تمثيل هؤلاء في الحكومة.
واللافت في هذه الصورة ايضاً، عودة الكلام في بعض زوايا مطبخ التأليف حول وزارة الصحة، مع إبداء تحفظات على إسنادها الى «حزب الله». ويقال في هذا الاطار انّ «القوات» تسعى الى الحفاظ عليها كونها من حصتها الوزارية الحالية، وثمّة جهات سياسية في فريق 14 آذار، ترى حجبها عن الحزب لأنها وزارة على تماس مباشر مع العالم، وتستوجب ان تتواصل مع كل العالم، ووجود وزير من «حزب الله» على رأسها سيصعّب هذا التواصل حتماً. إلّا انّ موقف الحزب حول هذا الأمر تمّ إبلاغه للعاملين على خط التأليف بأنه اختار وزارة الصحة ولن يتراجع عنها.