اتفاق سوتشي بين روسيا وتركيا الذي أوقف المعركة العسكرية التي كان النظام السوري وطهران ومعه «حزب الله» وموسكو يتهيأون لها، أوجد وقتاً مستقطعاً جديداً في الأزمة السورية قد يمتد حتى نهاية العام أو يقصر تبعاً للظروف.
تأجلت استعادة إدلب إلى كنف النظام والسيطرة الروسية الإيرانية على مزيد من الجغرافيا السورية، واستعيض عنها بإقامة منطقة منزوعة السلاح بين قوات المعارضة وبين قوات النظام وحلفائه. لكنها لم تنه احتمال الحملة العسكرية كلياً، في انتظار نتائج اختبار قدرة أنقرة على إنهاء النفوذ الكبير لـ «هيئة تحرير الشام» (جبهة النصرة) وانتشارها في المحافظة. اختلطت المهل التي تسمح بتمديد وقف النار، بين نص الاتفاق على التخلص من «التنظيمات الإرهابية» في أقل من شهر (15 تشرين الأول/ أكتوبر) وبين مهلة نزع السلاح الثقيل والمدفعية من القوى كافة في 15 الشهر نفسه، وبين عودة سيطرة النظام على الطرق الرئيسة حول إدلب قبل آخر 2018. وغموض المهل وحده كفيل بإسقاط الاتفاق إذا تعذر الوفاء بها، مثلما حصل لمناطق خفض التصعيد الأخرى التي سقطت، في الغوطة الشرقية والجنوب وشرق حمص.
ليس اتفاق سوتشي إلا محطة من محطات الحرب السورية على رغم ترويج كثر لإمكان تمهيده للحل السياسي. هذا ما يأمل به بعض رموز المعارضة المعتدلة المراهنين على الدور التركي. صحيح أن رجب طيب أردوغان قاوم في قمة طهران مع فلاديمير بوتين وحسن روحاني قرار اقتحام إدلب، لأن قبوله بذلك، مثلما غض النظر عن إسقاط اتفاقات خفض التصعيد معه في المناطق الأخرى، كان سيجعل قوات النظام وإيران على تماس أكبر مع المناطق الشمالية التي يسيطر عليها مع بعض القوى المعارضة، وينقل البحث إلى مسألة وجوده في الأراضي السورية كقوة احتلال. هذا ما يفسر رفضه الجموح الإيراني نحو خوض المعركة في إدلب خلال قمة طهران. مصالح أردوغان في سورية أعادته إلى لعبة التوازن بين موسكو وواشنطن واستند إلى دعم الأخيرة التي يبدو أنها أعطته تطمينات بالحد من الطموح الكردي الذي كان سبباً رئيساً لانزياحه الكبير نحو موسكو في الأشهر الماضية. والأخيرة لم تشأ تركه يعود إلى الحضن الأميركي بالكامل بسبب الخلاف على إدلب، وبسبب احتمالات الرد الأميركي العسكري على محاولة حليفيها، النظام السوري وإيران، اقتحامها ولو لم يُستخدم الكيماوي. لكن التحدي يبقى في قدرة السلطان العثماني على الإيفاء بالتزامه إنهاء وجود «النصرة»، بعدما أخذ القيصر الروسي باقتراحاته في شأن إدلب التي كان رفضها الجانب الإيراني، وبعدما أفشل التحضيرات السورية الإيرانية للهجوم عبر إرسال دباباته إلى محيطها. وبالمقدار ذاته سيكون على موسكو، وفق الاتفاق، مواجهة مخاطر انتشار قواتها مع القوات التركية في المنطقة المنزوعة السلاح. هي مخاطر تزيد من إغراق موسكو في الوحول السورية ممن لا يسعدهم اتفاق سوتشي، فالنظام وإيران لا يحبذان الاتفاق بالتأكيد. ولم يكن عن عبث أن قال السيد حسن نصر الله أول من أمس: «باقون في إدلب حتى بعد التسويات»... أما الأميركيون فيتفرجون.
وإذا كان إسقاط الدفاعات السورية الطائرة الروسية ليل الإثنين الماضي، بالتزامن مع الضربات الإسرائيلية المدعومة أميركياً لمواقع عسكرية إيرانية وسورية، مثلاً على هذه المخاطر، فإن المتابع العلاقة الروسية- السورية وعلاقة روسيا بإيران في الميدان السوري لا بد من أن يتوقف عند مظاهر مقلقة للكرملين: دمشق رحبت بالاتفاق الروسي- التركي على مضض، الروس تجاهلوها بالكامل كما في اتفاقات سابقة مع أنقرة وطهران. لم يتصل بشار الأسد ببوتين للتعزية بسقوط 15 ضابطا روسياً، أسوة بقادة دوليين، إلا بعد أن ذكّره الكرملين علناً بواجبه. غداة سقوط الطائرة الروسية (الثلثاء) في حادث «مأسوي عارض» كما وصفه بوتين، دخلت قوة روسية إلى قاعدة الدفاع الجوي السوري (في البصيرة قرب طرطوس) التي انطلق منها الصاروخ الذي أصاب الطائرة، وأوقفت جميع من كان فيها بلا استثناء واقتادتهم إلى قاعدة حميميم للتحقيق. وتردد أن 5 ضباط بقوا لأخذ إفاداتهم. هذا على رغم أن الجانب الروسي حاول التخفيف من وقع الحادثة بلوم إسرائيل لأنها لم تبلغ الدفاع الروسية إلا قبل دقيقة، فيما الطائرة أصيبت بعد 17 دقيقة على الضربات الإسرائيلية! واتفاق سوتشي يبقي على المعارضة المعتدلة ويعطيها موقعاً تفاوضياً، خصوصاً إذا ساهمت في الضغوط على «النصرة».
لعبة حافة الهاوية التي يمارسها النظام، تارة مع موسكو وأخرى مع طهران، قد تتكرر، فيما القيصر يعدُّ الحالات التي أفقده فيها حليفاه صفة ضامن الاتفاقات، ويغض النظر لكنه يتورط أكثر.