داخل أربعة جدران في الطريق الجديدة نسجت قصة واقعية أكثر من مأسوية، لشقيقين من ذوي الحاجات الخاصة يعيشان وحيدين مع الجرذان والاوساخ والروائح الكريهة... كل صباح يفتحان باب "مغارتهما" لدقائق قليلة ليعودا ويختفيا بعدها ومعهما مآسيهما الطويلة. هما حسام وعبد ترتني، اللذان لو نطق الحجر لقال للبشر "انا احنّ منكم عليهما، لكن ليس باستطاعتي ان افعل ما بوسعكم القيام به... فانتشلوهما مما هما فيه، يكفيهما اهمال وقهر".
لا يمكن لانسان ان يتحمل الرائحة التي تفوح من منزل الشابين (الكائن في الطبقة الارضية من مبنى قديم ) عند فتح بابه، صباح ذلك اليوم، كان احدهما جالساً امامه يترقب المارّة، في حين جلس شقيقه بعيدا منه خطوات معدودة، نظرا الي نظرة تعجب، فمن يا ترى تلك الغريبة التي قدمت اليهما، وهما من اعتادا الاهمال من اقرب الناس اليهما، حتى فقدا وزنهما وباتا اشبه بالهيكل العظمي، طلبت منهما الابتعاد قليلاً، كي ادخل واكتشف ما وراء الجدران التي احتضنتهما، ويا ليتني لم ادخل، اذ لم استطع الصمود دقيقة.
لحظات مرعبة
لا يقوى الشابان على المشي، يتنقلان زحفاً معتمدين على يديهما، وقبل ان اضع قدمي داخل "المغارة" صدمت بمدى السواد الذي طبع الجدران، مشيت خطواتي ببطء، كانت ما يسمى غرفة الجلوس اول ما رأيت، فرش بال، وسخ في كل مكان، وفوق هذا مرّ حيوان من امامي اعتقدت للوهلة الاولى انه هرّ، واذ بجرذ يركض في الجهة الاخرى ليتبعه اخر، ارتعبت من المشهد، قررت ان اغادر بسرعة، فاذا باحد الشابين يزحف خلفي، تساءلت في سري لماذا وضعت نفسي في موقف كهذا؟ ولماذا لحق بي؟ وما الذي يريده مني؟ نعم اسئلة عدة مرّت في رأسي، حتى اتى الجواب منه، اشار لي الى اللمبة في غرفة النوم... اراد ان يخبرني انه يمضي وشقيقه وقته في العتمة، قلت له لا تهتم ساطلب من احد اصلاحها، وغادرت.
"لانقاذهما"
سارعت الى الخارج، وقفت على بعد امتار ألتقط انفاسي، لم اذكر يوما في حياتي اني شعرت بالغثيان الى هذه الدرجة، وبعد ان استعدت قواي، قصدت احد الجيران لاسأل عن السبب وراء تركهما بهذه الحالة، فكان جوابه "كل صباح اقصد منزلهما، جالبا لهما الطعام، وبعدها يغلقان الباب ولا يفتحانه سوى لليوم التالي". واضاف "لديهما شقيق وشقيقة ارملة تطبخ احيانا وترسل لهما، وهما يسكنان في نفس المنطقة، كما ان لديهما شقيقة في دار العجزة". وشرح "سبق واتفقت مع شاب كي ينظف لهما البيت في الاسبوع مرّة، طردته شقيقتهما بحجة انه يسرقهما، كما انها ترفض ان يقدم احد لهما اية مساعدة مادية"، وطالب ان "تنظر الجمعيات ومنظمات حقوق الانسان لوضعهما، اذ لا يعقل ان نكون في القرن الحادي والعشرين ويوجد بشر مهمشون، وحتى ان كانا يحملان الجنسية السورية، لا يعني ان يُغض النظر عنهما، مع العلم انهما ولدا وترعرعا في لبنان وشقيقتهما تحمل الجنسية اللبنانية، وباسم الانسانية اناشد اصحاب الايادي البيضاء الاسراع لانقاذهما مما هما فيه".