ثلاثة مواقف معنية صدرت هذا الاسبوع رسمت معالم أزمة تأليف الحكومة التي تعيش البلاد فصولها منذ تكليف الرئيس سعد الحريري من قبل مجلس النواب المنتخب تشكيل حكومة العهد الأولى التي وعد بها رئيس الجمهورية العماد ميشال عون عندما شكلت حكومة الحريري من ثلاثين وزيراً وعلى قاعدة الوفاق الوطني الذي حض عليه اتفاق الطائف.
وكان الموقف الأول للرئيس عون نسبته إليه الزميلة «الجمهورية» واتهم فيه «القوات اللبنانية» ورئيسها بالذات انه مع عهده بالظاهر ويعمل ضده في الباطن، يليه مباشرة موقف للرئيس المكلف ينعى فيه التكليف ويؤكد ان لا جديد على هذا الصعيد، لأن الأمر يحتاج الى بعض التواضع الذي لم يلمس منه شيئاً حتى الآن.
أما الموقف الثالث والذي جاء رداً على الموقف الذي نسبته الزميلة «الجمهورية» إلى رئيس الجمهورية وسارع في نفس اليوم الذي نشر فيه إلى نفي أن يكون قد صدر عنه أي موقف ضد رئيس حزب القوات اللبنانية بالمعنى الذي صدر في الجريدة المذكورة. غير أن الرد من رئيس حزب القوات جاء سريعاً، في ذات اليوم، حيث أدلى لرابطة خريجي كلية الإعلام بحديث مطوّل ركز في معظمه على الدور الذي لعبته «القوات» في تغيير مسار انتخابات رئاسة الجمهورية لمصلحة مجيء العماد عون رئيساً، وركز في النصف الثاني منه على الدور الذي يلعبه رئيس «التيار الوطني الحر» الوزير في حكومة تصريف الأعمال جبران باسيل لمحاصرة القوات اللبنانية، ولإبعادها عن الحكم وذلك عن طريق تقليص حصتها في الحكومة وإلغاء نتائج الانتخابات النيابية وتفاهم معراب الذي قام على قاعدة دعم إيصال العماد عون إلى رئاسة الجمهورية في مقابل اقتسام حصة المسيحيين في أية حكومة تشكّل في عهد مناصفة بين الاثنين مهما كان عدد نواب كل حزب. ولم يكتف الدكتور جعجع بهذا القدر بل وجه من جهة انتقادات لاذعة للوزير باسيل لأنه أخل بهذا الاتفاق، ورفض الحوار والتواصل معه لتسوية الأمور العالقة بينهما، بحيث يُشكّل هذا الاتفاق دعماً قوياً للعهد الذي ما زال يترنح رغم مرور أكثر من سنتين ونصف السنة على انطلاقته من جهة ثانية.
لكن الأخطر في الموقف الذي اطلقه رئيس حزب «القوات اللبنانية» هو ما يتعلق بتشكيل الحكومة حيث كشف عن انسحابه من الاتفاق الذي أبرمه مع الرئيس المكلف لتسهيل عملية التأليف وتأكيد حسن النية، وهو القبول بأربعة مقاعد وزارية بدلاً من خمسة من دون أية حقيبة سيادية، وقصد الدكتور جعجع من هذا الموقف أن عملية التأليف عادت إلى المربع الأول، وان الأمر بات يحتاج الى معجزة للخروج من هذا المأزق.
هذا الواقع الجديد الذي فرض نفسه على عملية تأليف الحكومة فتح أبواب جهنم على البلد، الذي يُعاني أصلاً من عدّة معضلات خطيرة، بدءاً من الركود الاقتصادي مروراً بتفاقم الدين العام والوضع النقدي إلى حدود تُهدّد الليرة اللبنانية، وانتهاء بحاجة المسؤولين الملحة، وعلى رأسهم رئيس الجمهورية، إلى إقرار بعض الاصلاحات الهيكلية بناء لشروط الدول التي أبدت رغبة في مساعدة لبنان للتغلب على مشكلاته تلك، وهذا الخطر الدائم يستدعي تطويقه في أسرع وقت بدءاً بإغلاق الملف الحكومي، حتى يتسنى للحكومة العتيدة التصدي لهذه المشكلات قبل فوات الأوان، ويبدو أن حصول مثل هذه المعجزة بات مستحيلاً ما لم يتراجع رئيس الجمهورية عن قراره ويفرج عن التشكيلة التي سلمه إياها الرئيس المكلف قبل حوالى اسبوعين، وهو الآن ينتظر الإفراج عنها ولا يفكر بإدخال أي تعديل عليها كما تتمنى بعض الأوساط، لأن التشكيلة التي رفعها، ولدت نتيجة جهود واتصالات حثيثة أجراها مع كل الأطراف المعنية ولا سيما مع الجهة المتهمة بالتعطيل وهي القوات اللبنانية والحزب التقدمي الاشتراكي.