تقول القاعدة الشرعية: ″درء المفاسد يتقدم على جلب المصالح″، وإذا كان الرئيس سعد الحريري قد حقق مصلحة في التمديد لمفتي طرابلس (المنتهية ولايته) مالك الشعار بأن سدّد له فاتورة سياسية على الخدمات الجلّى التي قدمها له لا سيما في الانتخابات النيابية الأخيرة، وإذا كان مفتي الجمهورية الشيخ عبداللطيف دريان قد حقق مصلحة أيضا بإرضاء الرئيس الحريري، وإذا كان الشعار إستفاد من كل ذلك، وحقق مصلحة بأن إستمر في منصبه، فإن ما نتج عن هذا التمديد من ″تداعيات سلبية″ ربما تكون أكبر بكثير من المصلحة التي تحققت، ما يتوجب من الناحية الشرعية معالجة الأمر بشكل سريع لابطال مفاعيل هذه التداعيات قبل أن تتحول الى مخاطر.

ثمة أوجه عدة لهذه التداعيات، من شأنها أن تؤدي شرذمة الساحة السنية، وأن تزعزع العلاقات بين أركانها، وأبرزها:

أولا: تأثير هذا التمديد على وحدة الموقف السياسي ضمن الطائفة، لا سيما لدى رؤساء الحكومات الذين أظهروا تماسكا غير مسبوق دفاعا عن الصلاحيات وعن مهمة تشكيل الحكومة المنوطة بالرئيس سعد الحريري الذي كان يُفترض به أن يستفيد من وحدة الموقف السني في مهمته الوطنية، لا أن يخرقه بتمديد ولاية الشعار وهو يعلم أن ذلك يُزعج قيادات سنية يحتاج الحريري الى دعمها ومساندتها في المرحلة المقبلة.

ثانيا: الاساءة الى المؤسسة الدينية الأم باظهارها بأنها موضوعة تحت وصاية سياسية.

ثالثا: إنقسام المجلس الاسلامي الشرعي الأعلى بين مؤيد لقرار المفتي دريان بالتمديد وبين معارض له الأمر الذي قد ينعكس سلبا على وحدة الموقف في هذا المجلس.

رابعا: لجوء عدد من أعضاء المجلس الاسلامي الشرعي الأعلى الى تقديم طعن بقرار التمديد الى مجلس شورى الدولة لعدم قانونيته، إحقاقا للحق وحفاظا على وحدة المؤسسة الأم، وهيبة راعيها مفتي الجمهورية.

خامسا: إتساع الهوة بين المفتي الشعار وبين رعيته الرافضة لهذا التمديد، ومن بينهم عدد كبير من المشايخ والعلماء الذين بدأ بعضهم يدفع ثمنا باهظا لهذه المعارضة لجهة العزل أو التوقيف عن العمل، ما قد يضاعف من النقمة على المفتي الشعار كونه يعتمد سياسة الكيدية وتصفية الحسابات مع كل من عارض التمديد له.

سادسا: القطيعة السياسية التي يواجهها المفتي الشعار في طرابلس، والتي أعطى النائب فيصل كرامي نموذجا منها عندما رد بعنف على مواقف الشعار متهما إياه “بالافتراء والكذب”.

سابعا: الاساءة الى مقاميّ الافتاء والمفتي بهذا التمديد وجعله عرضة للأخذ والرد والانتقادات وصولا الى الشتائم والاتهامات على مواقع التواصل الاجتماعي ما قد يصيب في حال إستمر هذا السلوك مؤسسة دار الفتوى بالتصدع.

ثامنا: محاصرة المفتي الشعار برفض التمديد له، ما سيضع في مسيرته المقبلة الكثير من العراقيل والمطبات.

كل ذلك من شأنه أن يضرب هيبة المقامات الدينية، وأن يسيء الى المؤسسة الأم التي يسعى الجميع الى أن تكون منزهة عن التدخلات والخلافات والصراعات، ما يتطلب خطوة جريئة جدا وإعترافا بالخطأ الذي إرتكب، خصوصا أن العودة عن الخطأ فضيلة.

يذكر بعض المشايخ، الحادثة الشهيرة عندما طلب أمير المؤمنين عمر بن الخطاب عدم المغالاة في مهور النساء، فاعترضته إمرأة وقالت له ″يعطينا الله وأنت تحرمنا″، وقدمت له حججا وبراهين من القرآن الكريم، فتراجع ″الفاروق″ وقال عبارته الشهيرة ″لقد أصابت إمرأة وأخطأ عمر″، فهل يقتدي مفتي الجمهورية بأمير المؤمنين عمر، ويتراجع عن هذا التمديد درءا لكثير من المفاسد التي قد تنتج عنه؟.