جانب آخر من جوانب التصعيد السياسي تشهده الساحة اللبنانية، تمثّل في الإشكالية بشأن اطلاق اسم المسؤول العسكري السابق لحزب الله مصطفى بدرالدين على أحد شوارع الغبيري، وتحديداً على الشارع المؤدي إلى مستشفى رفيق الحريري الحكومي. لا تفسير أحياناً لابتكارات النكايات اللبنانية. أن يختار طرف تسمية شارع باسم شخص متهم بقتل شخص آخر حيث تقع مستشفى تحمل اسم المقتول. والأهم هو اختيار التوقيت، الذي تزامن مع جلسات المرافعة الأخيرة للمحكمة الدولية الخاصة بلبنان، والتي ركزت جهة الادعاء فيها على اتهام بدرالدين كمخطط ورأس هرم المجموعة المخططة والمنفذة لعملية اغتيال الحريري في 14 شباط 2005.
أمام هذه الأزمة المتصاعدة طريقان: إما أن يستمر التصعيد، وبالتالي تزداد التعقيدات على أكثر من صعيد؛ أو تسوية معينة، لا تشمل إيجاد مخرج لأزمة اسم الشارع واللافتات التي رفعت فيه وتحمل اسم بدرالدين فحسب. السياق واضح، ويدخل في إطار الذبذبات اللبنانية، والصراع السياسي المفتوح، الذي جددته المحكمة الدولية بين شارعين مؤيد لها وينتظر حكمها، ومعارض يرفض كل ما يصدر عنها.
لكن الاخطر هو ما ذهب إليه بعض المتحمسين من الطرفين، وخصوصاً المحسوبين على حزب الله، الذين بدأوا حملة على وسائل التواصل الاجتماعي، لاعتبار أن ما عبّر عنه وزير الداخلية والبلديات نهاد المشنوق، برفضه هذه التسمية ومطالبته بلدية الغبيري بإزالة اللافتات، بأنه يشبه القرارات التي اتخذتها حكومة الرئيس فؤاد السنيورة في 5 أيار 2008، والتي أدت إلى أحداث 7 أيار، أي التي اجتاح فيها حزب الله بيروت والجبل. وكأن هناك من يريد التلويح باحتمال تكرار ذلك الاجتياح، ولو كان ذلك نظرياً او سياسياً وغير ميداني، بغية تكريس نتائج سياسية معينة، وهي سحب كل ما يمكن أن ينتج عن المحكمة، وتعطيل مفاعيله وتأثيراته.
صحيح أن أي خطوة من هذا النوع غير مطروحة حالياً، بفعل حاجة حزب الله إلى ارساء الاستقرار والحفاظ عليه، ولكن هذا لا يعني التساهل في التخلي عن بعض المسلمات بالنسبة إليه، وهي عدم تقديم أي تنازل، او أي فرصة للمحكمة الدولية بتسجيل أي نقطة ضده، ولو اقتضى ذلك، الذهاب في اتجاه اتخاذ إجراءات تقوم على مفهوم النكاية وشد العصب. وهذا ينطلق من مبدأ أساسي بالنسبة إلى الحزب وجمهوره، وهو أن بدرالدين يمثّل رمزاً لفئة من اللبنانيين، كما الحريري يمثّل رمزاً لفئة أخرى.
في ضوء رفض المشنوق واعتباره تسمية الشارع أمراً غير قانوني باعتباره لم يوافق عليه بوصفه وزيراً للداخلية والبلديات، وبعد توصيفه هذا القرار بأنه سيؤدي إلى خطر على النظام العام وذو طابع مذهبي وسياسي، جاء ردّ بلدية الغبيري بأن القرار اتخذ في مجلس بلدي منتخب في العام 2017، أي قبل حصول جلسات المحكمة الدولية. واعتبرت البلدية أن القرار صدر بتاريخ 14 حزيران 2017 وأنه سليم وشرعي ولا غبار عليه". ولفتت إلى أنّ "القرار أرسل إلى وزارة الداخلية وسجل لديها بتاريخ 7 آب 2017 ولم يأتِ جواب بالرفض أو القبول". وأشارت البلدية إلى أنها وجهت بتاريخ 13 حزيران 2018 كتاباً إلى وزارة الداخلية تعلمها فيه بأنّ قرار تسمية الشارع أصبح مصدّقاً ضمناً بعمان مرّ نحو سنة على تسجيله لدى الوزارة. وتعتبر المادة 63 أنّ القرار يصبح مصدقاً ضمناً إذا لم تتخذ سلطة الرقابة قرارها في شأنه خلال شهر من تاريخ تسجيله لديها".
قد يقود هذا الخلاف إلى مزيد من التلهي السياسي على الصعيد الداخلي، والأكيد أن لا المستقبل سيرضى ببقاء هذه التسمية، ولا بلدية الغبيري التي يلمّح المستقبل إلى أنها تلتزم قراراً معيناً لحزب الله ستتراجع. بالتالي، فإن اللافتات قد تنزع بطريقة أو بأخرى بحيث يظهر الحزب وكأنه قدّم تنازلاً لمصلحة الاستقرار وللحفاظ على مشاعر الشركاء في الوطن، فيما يبقى القرار بإطلاق الاسم متخذاً مع وقف التنفيذ، وذلك بالارتكاز إلى دخول المسألة في جدل قانوني، بشأن أحقية البلدية من عدمها في إطلاق الاسم على الشارع. في النهاية، الغلبة ستكون لمنطق المنتصر. ومعنى الانتصار لن يحصر في ابقاء اللافتات أو الاسم، إنما سيترجم في السياسة في مرحلة قد تكون مؤجلة.