اتخذ رئيس الحزب التقدمي الاشتراكي وليد جنبلاط موقفه علناً. المرحلة للمواجهة وليست للمهادنة. سنة ونصف السنة من محاولة إبرام تسوية، وتمرير سنوات العهد بسلاسة وتوافقات، لم تصل إلى نتائجها المرجوة. فأطلق الرجل رسائله بكل الاتجاهات. غرّد: "يا لها من نظرية عجيبة بأن اقصاء الفلسطينيين ومعاقبتهم وقتلهم تساعد في عملية السلام. إنها من بنات أفكار صهر ترامب جاريد كوشنير. والنظرية نفسها يطبقها الصهر في لبنان لتثبيت هيمنته، وما من أحد يعارضه سوانا ويدفع الثمن سوانا والبقايا مجموعة أصنام وجيف همها تقاسم المصالح. لا تلعبوا بالنار". فهذه التغريدة تؤشر إلى ما يفكّر فيه.
صحيح أن شكل المعركة يصب في اتجاه الصراع على الأحجام والمقاعد والحصص الوزارية، لكنه في الجوهر يختلف كلياً. ينطلق في قراءته تطوراتها من العام إلى الخاص. أي مما هو خارجي إلى ما هو داخلي. ليست مصادفة المقارنة بين رئيس التيار الوطني الحر جبران باسيل وصهر الرئيس الأميركي دونالد ترامب، جاريد كوشنير. تعبر القراءة من التعاطي مع ملف سوريا واللاجئين السوريين، إلى تطويق الخصوم في لبنان، وصولاً إلى حدّ العودة للتذكير بكلام باسيل عن عدم وجود خلاف عقائدي مع إسرائيل. وهنا الأساس. إذ يعتبر البعض أن وصول ميشال عون إلى رئاسة الجمهورية، كان إحدى لحظات التقاطع الدولي المشابهة لحالته. من البريكسيت في بريطانيا، إلى تنامي اليمين الأوروبي المتطرف. والموجة ذاتها هي التي جاءت بترامب "العنصري" رئيساً للولايات المتحدة الأميركية. وهذا لا ينفصل في سياقه عن السعي الدولي لإعادة تعويم نظام بشار الأسد.
رؤية جنبلاط ثابتة في ذلك. ومن هنا قد يكون وصل إلى الربط بين باسيل وكوشنير. وأساس الفكرة هو العمل على إعادة إحياء مفهوم الدعوة إلى تحالف الأقليات. ولكن، لا يعني هذا الكلام بالضرورة أن يكون هناك قرار دولي واضح هو ما أتى بعون رئيساً للجمهورية، بل بعض الحسابات والتقاطعات هي ما دفع البعض إلى النجاح في تمرير التسوية الرئاسية، بنتيجة عدم وجود أي بديل أو خيار آخر.
المسألة تتخطى ما يُحكى عن اطلاق جنبلاط معارضة للعهد. في أحد جوانبها تصل إلى حدّ الدفاع الوجودي. وهذا ما قصده حين قال "لا أحد غيرنا يواجه ويدفع الثمن، بينما الآخرون أصنام همّها تقاسم المصالح". لا يقصد جنبلاط في هذا الكلام التيار الوطني الحر فحسب، بل يقصد أيضاً بعض الأصدقاء أو الحلفاء. وتشير مصادر متابعة إلى أنه أراد تمرير هذا الموقف، لإعلان موقعه السياسي، ولاستباق أي محاولة تنازلية قد يقدّمها البعض في عملية تشكيل الحكومة، لا سيما فيما يحكى عن مبادرة فرنسية لأجل تذليل العقبات وإقناع القوات بالموافقة على الحصول على وزارة دولة.
طلب رئيس الجمهورية تدخل الفرنسيين. وقد بدأ السفير الفرنسي في لبنان جولة للقاء القيادات، فيما هناك من بدأ التداول بأكثر من فكرة لتجاوز العقبات، منها العودة إلى منح القوات نائب رئيس الحكومة ووزارة دولة بالإضافة إلى وزارتين خدماتيتين. وهناك أفكار أخرى يجري التداول بها، كاعطاء القوات وزارة دولة لشؤون التخطيط، او وزارة دولة لشؤون النفط. عودة الكلام بهذه الأفكار، مع الحديث عن حراك الرئيس سعد الحريري لتذليل العقبات، هو ما دفع البعض إلى اعتبار أن لحظة المساومة تقترب.
وفق هؤلاء، فإن الحريري سيصل إلى نقطة يضطر فيها إلى التخلّي عن التمسك بمطالب القوات اللبنانية والاشتراكي، ولكن اللحظة لم تحن بعد، وهو ينتظر أن تستوي الأمور ويمّل الجميع الانتظار، بحيث يلجأ إلى ما يريده عون، بعد تعب كل القوى وتنامي الضغط الدولي لتشكيل الحكومة. هكذا لا يكون الحريري قد تراجع بشكل مباشر، بل بصيغة معينة وتحت ضغط المناشدات الدولية والوضع الإقتصادي، وبأن البلد لم يعد يحتمل. فيضع الجميع تحت الأمر الواقع. ربما يستشعر جنبلاط دنو هذه اللحظة وإن لم تكن قريبة جداً، لذلك يصعّد في لهجته، ليقول للحريري إنه لن يتنازل، وإنه مستمر في المواجهة. وهذا ما تعنيه كلمة "لا تلعبوا بالنار" التي قد تأخذ معاني على المدى البعيد، أبعد من مجرد صراع تحاصصي.