إذا كان اللّعبُ بالسلم الأهلي خطّاً أحمر، فالمسّ بعمل المؤسسات ليس في سلّم أولويات الطبقة السياسيّة الحالية. فلا مشكلة إن وقع الفراغ في سدّة رئاسة الجمهوريّة لأكثر من سنتين ونصف، وليس مُهمّاً إغلاق أبواب مجلس النواب، أُمّ السلطات، وليس من داعٍ للهلع أو الخوف من عدم تأليف الحكومة، وكأنّ البلادَ تعيش خارج منطق القانون والمؤسسات.
ولعلّ أبرز ما وصلت إليه الأوضاع من تدهور سياسي، هو الإشتباكات المتنقّلة على الجبهات كافة، وكان آخرها «القتال العنيف» الذي دار بين الحزب «التقدّمي الإشتراكي» و»التيار الوطني الحرّ» والذي وصل الى درجة توجيه الرسائل عبر «تطيير» موظفين محسوبين على الفريقين من دون أيّ مستند قانوني أو مخالفة وظيفيّة إرتكبها هؤلاء الضحايا.
وتؤكّد المعلومات أنّ الأجواء بين «الإشتراكي» و»التيار» ضُبطت بعدما وصلت الأمور الى مرحلة خطرة مسّت بمصالحة الجبل وهدّدت السلم الأهلي، ولم يعد الأمر يقتصر على الخلاف السياسي. وقد نشطت الاتّصالات على أعلى المستويات في الساعات الماضية من أجل عدم وصول الأمور الى نقطة اللاعودة، وسط التخوّف من تجدّد الإشتباك الكلامي لاحقاً ورُبما تحوّله الى صدامات على الأرض بين مناصري الطرفين.
ولعلّ الإصطدام بين البيت الجنبلاطي ورؤساء الجمهورية الموارنة يحكم العهود التي مرّت، وكأنه واقعٌ لا مفرّ منه، لكن هذه المرّة يأخذ طابعاً مختلفاً مع إصرار العهد على تمثيل رئيس الحزب «الديموقراطي اللبناني» النائب طلال إرسلان وزارياً ورفضه حصر الميثاقية الدرزيّة برئيس الحزب «التقدّمي الإشتراكي» وليد جنبلاط.
وفي هذا الإطار، يبرز أيضاً خلافُ العهد مع «القوّات اللبنانية»، ومطالبته بتمثيل المعارضة السنّية وعدم حصر التمثيل السنّي في الحكومة العتيدة بتيار «ألمستقبل»، بل تمثيل السنّة المستقلّين، مع أنّ هذه النقطة الأخيرة لا تأخذ حيّزاً كبيراً من النقاش.
وعلى رغم أنّ الإشكال مع «القوات» هو من نوع الصراع على الحصص والأحجام داخل الساحة المسيحيّة، إلّا أنّ البعض يرى أنّ رئيس الجمهورية قد يكون مُحقّاً في رفض إحتكار أفرقاء معيّنين للطوائف، لأنّ دور الرئيس هو صونُ التوازن الوطني والطائفي.
ولا يمانع أحدٌ في إعطاء رئيس الجمهورية حصّةً تُعوّض الخلل الذي تركه «إتفاق الطائف» فيما خصّ تقليص صلاحياته، لكنّ هذه الحصة يجب أن تكون من كل الطوائف ولا تقتصر على المسيحيين فقط لأنه رئيسٌ لكل البلاد، علماً أنّ التشكيلة الأخيرة التي قدّمها الرئيس المكلّف سعد الحريري تعطي رئيس الجمهورية و»التيار الوطني الحرّ» 10 وزراء، أي 6 لـ»التيار» و4 لرئيس الجمهورية.
ومن هذا المنطلق يقترح البعض، كمخرج، أن تضمّ حصّةُ الرئيس وزيراً مسيحيّاً وآخر سنيّاً وأيضاً درزياً وشيعيّاً، على أن يأخذ سائر الأفرقاء الإسلاميّين وزراءَ مسيحيين من حصته، وبالتالي تكون إشكالية تمثيل جنبلاط بوزيرين درزيّين وآخر مسيحي قدّ حُلّت، في حين أنّ الحريري قد أجرى في الحكومة السابقة عملية مبادلة مع عون حيث نال وزيراً مسيحيّاً هو غطاس خوري، وأخذ عون في المقابل وزيراً سنّياً هو طارق الخطيب.
ولا يعارض النائب المحسوب على العهد شامل روكز هذه الفكرة، ويقول لـ»الجمهورية» إنّ «فكرة توزيع الوزراء فكرة جيّدة، ولا شيء يمنع رئيس الجمهورية من أخذ وزير شيعي أو وزراء من كل الطوائف والمذاهب إن كان هذا الأمر يسهّل الحلّ ويساعد على تأليف الحكومة وإنقاذ الوضع».
قد يذهب البعض الى القول إنّ «حزب الله» وحركة «أمل» فازا بـ26 نائباً شيعياً من أصل 27، فيما النائب مصطفى الحسيني الذي فاز في جبيل أعلن ولاءَه للثنائي الشيعي، وبالتالي يحقّ لهما حصد المقاعد الشيعية الستة إذا كانت الحكومة ثلاثينيّة.
لكن إذا اعتُمدت هذه القاعدة، فإنّ جنبلاط أيضاً فاز بسبعة مقاعد درزية من أصل ثمانية، فيما ترك مقعداً شاغراً لإرسلان، وإلّا كان قادراً على الفوز بالمقعدين الدرزيّين في عاليه، وعندها يفوز بثمانية من أصل ثمانية. كذلك، فإن لا أحد يقول إنّه لا يحقّ للثنائي الشيعي بأخذ 6 مقاعد، لكن إذا مشت نظرية نيل عون وزراء من كل الطوائف عندها يحصل الثنائي على 5 وزراء شيعة وواحد مسيحي، وجنبلاط على 2 درزيّين و1 مسيحي.
وامام هذه الوقائع، يصبح جنبلاط محرَجاً، ولم يعد بإمكانه المطالبة بالمقاعد الدرزية الثلاثة، وإلّا سيُشار إليه بأنه المعرقل، وعندها تُطبَّق القاعدة نفسها على الجميع، ولا يعمد العهد الى إظهار زعامات مصطنعة، خصوصاً أنّ هذه اللعبة كان يفعلها الرؤساء السابقون في ظلّ حكم «المارونية السياسية» وليس في هذه الظروف. ويسأل البعض عمّا إذا كان العهدُ يتجرّأ على المطالبة باستبدال وزيرمسيحي بآخر شيعي كحلّ للمشكل، أو أنه لا يستطيع الاقتراب من الثنائي الشيعي، مع العلم أنّ المشكلة لا تكمن هنا، بل في السياسة الكييدية وسياسة النكايات بين القوى السياسيّة، إضافةً الى عدم وصول كلمة السرّ الخارجيّة المسهّلة للتأليف.