لا يَعكس السجال العلني أمس بين المفتي الشعار والنائب والوزير السابق فيصل كرامي، واستنفار مرجعيات طرابلسية، و«سيلان» بعض الأقلام الشمالية المندِّدة ببقاء الشعار في موقعه، سوى أحد أوجه الأزمة الناشئة عن قرار التمديد لمفتي طرابلس.
كرامي الذي كان أصدر بياناً قبل أيام أعلن خلاله «ثقته» بأنّ وراء قرار المفتي عبد اللطيف دريان بالتمديد للشعار «حكمة يراها ونحن نثق بحكمته، وأنّ هذه المسألة ذات طابع إداري ومن اختصاصات «دار الفتوى» حصراً، دون أن ننفي موقفنا الاساسي بضرورة أن يكون لطرابلس مفتيها الجديد»، عاد وأصدر بياناً آخر خاطب فيه الشعار بأسلوب غير مألوف يكاد يشكّل سابقة في التخاطب مع المقامات الدينية، على خلفية ما نُقل عن الأخير بشأن الرئيس الراحل عمر كرامي، مؤكّداً «إذا تمادى المفتي الممدّد له بشكل غير قانوني في حفلة الكذب، فإننا سوف نعلن الأسباب الحقيقية بتفاصيلها الدقيقة مع الوثائق والشهود للقرار الذي اتّخذه الرئيس كرامي في مقاطعته»، معتبراً «أنها تفاصيل معيبة للشعار وللموقع الذي يحتله»!
يزعم خصوم الشعار أنهم يملكون مضبطة اتّهام بحقه تشرّع رفض إستمراره في موقعه، برأيهم، «بشكل غير قانوني». هؤلاء يعتبرون أنّ علاقته مع مختلف القوى السياسية في طرابلس إتّسمت طوال السنوات الماضية إما بالجفاء كما مع رئيس الحكومة السابق نجيب ميقاتي، أو القطيعة التامة كما في حالة كرامي، أو السلبية مع الوزير أشرف ريفي، وغير المنتجة، لا بل المتوترة، مع مختلف التيارات والحركات الإسلامية في الشمال.
الداعم الأوّل، والوحيد تقريباً، للشعار كان ولا يزال «تيار المستقبل»، وقد شكّلت الانتخابات الماضية آخرَ شعرة قطعت بين مفتي طرابلس ومجموع هذه القوى حيث يأخذ عليه خصومه أنه شكّل الرافعة «الانتخابية» الاساسية لـ«التيار الأزرق» خلال الانتخابات، إضافة الى «رصيد» مآخذ متراكمة بشأن أدائه، وصولاً الى حدّ إتهامه المباشر أخيراً باتّخاذ إجراءاتٍ «إنتقامية» بحقّ مشايخ وموظفين في «الدار» وقفوا ضد قرار التمديد له، وهو الأمر الذي تنفيه أوساطُ الشعار وتؤكّد انه لم يحصل أبداً.
ويقول متابعون لملف دار الإفتاء في الشمال إنّ «الشعار قدّم سابقاً فروض الطاعة وحاول أن يكون رافعةً لنتائج «تيار المستقبل» في إنتخابات الشمال النيابية بغية تحقيق أمرين أساسيّين: إنتزاع قرار التمديد من الرئيس سعد الحريري، وقد حصل على وعد صريح منه بذلك، كما كان يريد أن يٌمنح مشروع بناء مجمع تجاري على أرض الأوقاف في مدينة الميناء لرجل الأعمال الطرابلسي يوسف فتال الذي كان أولم على شرف الحريري أبّان الانتخابات النيابية الماضية، وهما أمران تأمّنا للمفتي الشعار عبر المفتي دريان بضغط من الحريري، كما يقول هؤلاء.
في 12 أيلول الجاري كان يفترض أن يحال المفتي الشعار الى التقاعد بعد بلوغه السنّ القانونية (70 عاماً). لكن، كما كان متوقعاً، سار الحريري في خيار التمديد مخالفاً شبه الإجماع الطرابلسي على إنتخاب خلف له.
والمفتي دريان المعروف عنه أنه كان من مؤيّدي الالتزام بنص القانون بانتخاب خلف لمفتي الشمال، عاد ووقّع بنفسه قرار التمديد تحت الضغط من دون الأخذ باعتراضات المجلس الإسلامي الشرعي الأعلى أو تفويضه، كما يقول معارضو التمديد.
هؤلاء يجزمون أنّ القرار سيكون عرضةً للطعن لأنه يفتقد الى المتانة والحجّة وغير مستند الى نص قانوني يجيزه.
مؤيّدو التمديد
أما مؤيّدو التمديد، فيرون أنّ «الشعار هو المظلّة والضمانة في ظلّ التطرف والخلافات السياسية التي تعصف بالساحة الطرابلسية والشمالية، حيث إنّ الانتخابات البلدية والنيابية كشفت حجم التشرذم السياسي الحاصل»، مؤكدين أنّ «أيّ قرار مخالف من شأنه أن يؤدي إلى فراغ وتداعيات سلبية على الصعد كافة»، كما ورد في بيان «جمعية تجار لبنان الشمالي».
وموجبات قرار التمديد للشعار الذي أصدره مفتي الجمهورية في 12 أيلول الجاري إستندت الى اعتبار أنّ «شغور منصب الإفتاء في محافظة الشمال يعطّل المصلحة الدينية والوقفية والاجتماعية للمسلمين فيها».
وأستأنس دريان بقرارين صادرين عن المجلس الشرعي الإسلامي الأعلى بإستمرار مفتين تجاوز مدة ولايتهم في مناصبهم بكافة حقوقهم وصلاحياتهم إلى أن يتمّ انتخاب مفتين جُدُد).
وقد انعكس قرار الحريري بالتمديد للشعار مباشرة على علاقته ببعض القوى الطرابلسية على رأسها ميقاتي الذي إصطفّ الى جانب الأخير في «معركة الصلاحيات».
أوساط الأخير تجزم بأنّ ميقاتي «أخذ موقفاً مبدئياً يتمحور حول ضرورة إحترام المهل والقوانين، كما في أيِّ موقع في الدولة، وبقاء مقام الإفتاء بعيداً عن التدخلات السياسية».
وبشأن الكلام الذي نقل عن المفتي الشعار أنّ «الرئيس كرامي رحمه الله أبدى انزعاجه مني لأني لم أكن له وقال: «سماحة المفتي لم يعد لنا»، والرئيس ميقاتي أراد أن نكون له وأن يستوعب دار الفتوى»، ردّت أوساط ميقاتي «هذا الكلام نفاه المفتي الشعار، وبالتالي الردّ عليه لزوم ما لا يلزم»، مؤكّدة أنّ «ميقاتي يحاذر الدخول في سجالات، والجميع يعلم أنه لا يمكن أن يطلب من أيّ رجل دين أن «يكون له»، لا بل يؤكّد لكل رجال الدين أنّ عباءَتهم يجب أن تظلّل الجميع».
ويرى متابعون أنّ الموقف المهادن والاستيعابي لميقاتي، مقارنةً بمواقف غيره من القوى الطرابلسية، لم يُقابل حتى الآن بلفتة علنية «تقديرية» من جانب الرئيس الحريري ما يطرح علامات إستفهام حول مآل العلاقة الثنائية التي شهدت «إنتعاشاً» مع فتح معركة «معركة الصلاحيات» ودفاتر «اتقاق الطائف»، وفي الوقت نفسه يُطرح إحتمال أن يردّ الحريري «الجَميل» لميقاتي بمنحه مقعداً وزارياً من حصته في الحكومة، وإلّا يكون قد اتّخذ قراراً بإقصاء مرجعية تمثّل نصف نواب طرابلس»!
ويؤكّد هؤلاء «أنّ عدمَ قيام الحريري بهذه الخطوة قد يتكفّل بالكبس على زرّ المواجهة مجدداً بين الرجلين».
ردّ الشعار
وكان المكتب الاعلامي للمفتي أصدر بياناً نفى فيه الكلام المنسوب اليه خلال إستقباله لوفد ثقافي مؤكّداً أنّ «هذا التحليل لا أصل له، وهذا الكلام لم يصدر شيء منه عن سماحته، بل إنّ مَن يمعن النظر في الكلام يجده غريباً عن السياق الذي يؤكّد فيه سماحتُه أنّ مهمّة المفتي أن يكون إلى جانب الرؤساء وداعماً لهم، فرئيس الحكومة سنّي والمفتي واجبه دعمه»، مشيراً الى «أنّ رؤساء الحكومات جميعاً من الرئيس كرامي إلى الشيخ سعد إلى الرئيس ميقاتي لم يمارسوا أيَّ هيمنة على دار الفتوى».